الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الرحمان العمراني:الجوانات المطلوقة ونظرية النوافذ المكسورة (3/1)

عبد الرحمان العمراني:الجوانات المطلوقة ونظرية النوافذ المكسورة (3/1) عبد الرحمان العمراني
كلما مررت من دروبنا الصغيرة، وأحيانا من شوارعنا المتوسطة إلا و أفاجأ بشباب ويافعين جالسين على عتبات العمارات  يفتلون دونما أي اهتمام بالمارة من حولهم لفافات "الجوانات ".يتبادلون تدخينها فيما بينهم على الطريقة والحركات المعروفة في هذا الوسط.
وهناك اليوم  بعض المقاهي من فرط ما أصبحت مأوى مألوفا وأمنا لمدخني تلك المادة  ما لا يخص أصحابها سوى أن يلصقوا لوحات على واجهات مقاهيهم يكتبون عليها، أما عبارة "خاص بمدخني لفافات الجوانات وأما، في أقل الأحوال "مسموح بتدخين لفافات الجوانات" أو  "لا تخف من اية ملاحقة تعال دخن الجوانات كما يحلو لك".
اذكر أن  الشباب في مراحل سابقة، ممن كانوا  يقومون بأعمال أو يأتون بسلوكات  يعتبرون في قرارة أنفسهم انها  مجرمة بالقانون وبالأخلاق العامة (والتي يدخل ضمنها بالطبع تدخين الجوانات )كانوا حينما يسمعون هدير سيارة الشرطة المخططة بالأحمر والأخضر أو يرونها تقترب كانوا ينادون على بعضهم "القايدة طامو جايا يا الله أ الدراري هربوا.(هكذا كانت تسمى الستافيت وقتها )
وكان ذلك مؤشرا على استبطان طبيعي لقناعة راسخة  بان الأعمال المخالفة للقانون من نوع التدخين العلني للجوانات في عرض الشارع العام أمر قابل للملاحقة والعقاب.
لم يعد هذا الاحتراز موجودا .وصار من باب الاستثناء النادر في دروبنا ان في النهار أو في الليل على الأقل علاقة بتدخين المخدرات ..
وأنا اشخص هذا الواقع المأساوي  استحضر دائما نظرية النوافذ المكسورة  broken windows ،وهي خلاصة عمل مشترك لباحثين أمريكيين عالم  اجتماع مرموق و مختص في  علم الإجرام ضمناها كتابا يحمل ذلك العنوان.نظرية  التقطها W Bratton عميد الأمن  السابق الشهير في نيويورك قبل عشر سنوات،  وطبق خلاصاتها وكانت النتيجة أن انخفضت بشكل قياسي  معدلات الجريمة بكل  أصنافها في مدينة كانت تعد فيها الجريمة هاجسا يوميا يقض مضجع الجميع .
ما هي استنتاجات نظرية النوافذ المكسورة،والتي كانت  عصارة  بحث مكثف في دينامية الجريمة امتد على مدى سنوات .
الاستنتاج الأساسي أن التساهل مع الجريمة الصغيرة (أو المعتبرة كذلك)وعدم اتخاذ المطلوب قانونا إزاءها  يفسح المجال لدينامية تقود حتما إلى الجريمة المتوسطة ثم الكبيرة وان ما كان يمكن تلافيه بأقل التكاليف والإجراءات يصبح بالتساهل مع الجريمة الصغيرة باهظ التكاليف بالنسبة للمجتمع والأمن والسلطات حينما تكبر الجريمة وتتغول.
والمثال الملموس الذي انطلق منه الباحثان عالم الإجرام والسوسيولوجي هو كما يلي، وقد اختاراه بشكل ميتافوري عنوانا لكتابهما :
حينما يتم كسر زجاجة واحدة في عمارة ولا يلتفت أحد للأمر ولا يتم إصلاحها ولا التساؤل عمن يكون قد قام بالكسر فإن دينامية رهيبة تنطلق (أكدتها الأبحاث الميدانية للباحثين ).عدم الاكتراث يعطي الإشارة إلى أن لا أحد يهتم nobody cares وما هي إلا أيام حتى يطال الكسر زجاجات أخرى في نفس العمارة ثم في العمارات الأخرى ثم يطال التخريب مداخل العمارات ومصابيح الكهرباء وتجهيزات الحدائق من كراسي و أدوات لعب الأطفال، ثم يكون ذلك مقدمة لمقدم مروجي المخدرات  dealers والعراك بينهم حول الترويج ثم السرقات والنشل والعنف حول موضوع المخدرات وما يجري علاقة با استهلاكها .ثم تتطور الأمور إلى خلق عصابات gangs  وشبكات تصبح معضلة أمنية في غاية الخطورة على توازن المجتمع برمته.
وهكذا فمن كسر الزجاجة الواحدة في عمارة واحدة ينطلق -في حالة عدم الاكتراث-مسلسل رهيب يقود بالتدريج إلى الجريمة الكبيرة.
نظرية النوافذ المكسورة أطلق عليها ف الكريمينولوجيا، وفي الأوساط الأمنية zéro tolerance .إزاء الجريمة الصغيرة .
نخشى أن يكون التساهل مع لفافة الجوان، وترك الحبل على الغارب عندنا هو المقابل للزجاجة المكسورة  في النظرية اياها .
إنه درس نعتقد أنه أضحى ملحا وضرورية استيعابه من طرف الأجهزة الأمنية في بلادنا.