تعتبر المصادر الاستعمارية الفرنسية مرجعا هاما في صياغة تاريخ المقاومة المسلحة ضد التوغل الفرنسي في المغرب و موريتانيا، رغم ما عجت به من مغالطات سفهت و شوهت بطولات المقاومة و قزمتها لصالحها، و إلى اليوم مازالت تلك الفترة بما عرفته من أحداث سياسية و عسكرية مادة دسمة للمؤرخين و الباحثين، تتباين فيها المواقف و القراءات، خاصة إن تداخلت في ذلك عوامل ذاتية قبلية و مناطقية و سياسية.
من بين الشخصيات المهمة التي قادت المقاومة و أثرت في مساراتها نذكر الشيخ ماءالعينين بن الشيخ محمد فاضل بن مامين القلقمي الحسني، و الذي يمكن القول أن هناك إجماع على الدور الطلائعي الذي قام به في مقاومة الاستعمار الفرنسي و رفض التعامل معه. و نحن من خلال مقالتنا هذه، سنحاول الوقوف بعجالة على هذا الدور وفق ما قاله الفرنسيون أنفسهم، رغم معرفتنا بما تزخر به كتب كثيرة لمؤرخين شناقطة و مغاربة تحدثوا بإسهاب عن هذه المرحلة المشرقة من تاريخ بلادنا.
تطرقت المؤرخة Désiré-Vuillemin في بحث عن الحاكم العسكري الفرنسي كبولاني بعنوان Coppolani en Mauritanie، للمرابط ماء العينين في فقرات عدة من مقالتها، راسمة موقف الشيخ المناوئ و المعارض لمنظر و قائد الحملة العسكرية في بلاد موريتانيا و الساقية الحمراء، و للتواجد الاستعماري الفرنسي في المنطقة عموما، و هو الموقف الذي اشتركت في تقديمه الكثير من الوثائق و التقارير الفرنسية، ويمكن تلخيص ذلك في النقاط التالية:
- يشير كوبلاني في تقارير له عن الدور المهم الذي يلعبه المرابط الكبير الشيخ في المنطقة و ضد المصالح الفرنسية.
- العلاقة المتميزة بين الشيخ ماءالعينين و أمراء أدرار و تكانت، و تأثيره الروحي على زعامات القبائل.
- علاقة الشيخ بالسلطان العلوي و التي وصفتها بأن للشيخ المرابط تأثير على السلطان المغربي.
- اعتبار الشيخ كبولاني كعدو و إرساله لابنه الشيخ حسن إلى المنطقة، وقد شارك الشيخ في معركة النيملان الخالدة سنة 1906 التي أعقبت وفاة كبولاني بثلاث سنوات.
- مقتل كوبولاني من طرف سيدي ولد مولاي الزين من أتباع الطريقة الأغظفية، التي يعتبر شيخها تلميذا للشيخ محمد فاضل بن مامين حسب ما ورد في المقالة.
لقد كان الشيخ ماءالعينين بما حباه الله من معرفة و علم و نفوذ روحي و سياسي، مؤهلا للعب دور القائد المصلح و العالم الملهم و السياسي الوسيط بين الدولة في المركز و القبائل المجاهدة، مصادر القوة التي تميز بها الشيخ تحدث عن بعض من معالمها الرحالة الفرنسي Camille Douls في كتابه Cinq mois chez les Maures nomades du Sahara occidental، فالرحالة عندما بلغ السمارة سأل عن الشيخ و أخذ معلومات عنه، رسم بها صورة مقدسة عن شيخ حسن غني بكرامات خارقة...، ثم وقف بين أيديه، ليسرد ما دار بينهما، و ليصف هيبته بين تلامذته، و مدى احترامهم له، خيمته الكبيرة العامرة و مخيمه الحاشد بالرحال من مختلف القبائل...، وقد تحدث عن لك أيضا صاحب الوسيط حين زاره في السمارة، كما أسهب الرائد Gillier و هو يصف الشيخ بالمرابط العجوز في كتابه التوغل في موريتانيا.
من بين الوثائق أيضا رسالة أوردها الباحث الموريتاني سيدي أحمد ولد الأمير في مقال صحفي بموقع كيفة انفو، حيث نشرت جريدة "جورنال دي ديبا"(Journal des debats) في عددها 99 بتاريخ 14 أبريل 1909، أن الوالي الفرنسي العام بسان لوي هاتف باريس بخبر مفاده أن: الرائد موجو (Mougeot) حاكم مدينة كيفه الذي كان يقود كتيبة من الجمالة قد دخل فجأة يوم 11 مارس 1909 مخيما من قبيلة الأغلال حيث توجد مجموعة من رجال المقاومة الوطنية فوقعت مناوشات استشهد خلالها أربعون من الحي المذكور، ولم يمت أحد من جانب الفرنسيين حسب الجريدة. وقد وجد الرائد عند بعض الحي رسالة من الشيخ ماء العينين تحث قبيلة الأغلال على الجهاد.
رسالة أخرى من Milliès-Lacroix وزير المستعمرات، إلى وزير الخارجية مؤرخة بتاريخ 23 نوفمبر 1906، بخصوص معركة النيملان، و ننقل منها بتصرف حيث يقول "كنت قد نبهتكم إلى حضور إبن الشيخ ماءالعينين، المسمى حسّنَّه، عند إدوعيش، وأنه يوزع هناك أسلحة وذخائر. ومنذ ذلك التاريخ أصبح التأجيج أنشط. الوكيل الأساسي المتكفل بهذا التأجيج يُدعى مولاي إدريس ولد مولاي عبد الرحمن ولد مولاي سليمان، إبن عم سلطان المغرب، ويَـدّعي أنه مبعوث من طرفه... وقد أعلن مولاي إدريس أنه جاء ليحكم البلاد، وأنه، باسم السلطان، جاء ليطالب بملك الأرض (الموريتانية) حتى النهر.. في بداية سبتمبر 1906 أخبرني المفوض العام للحكومة الفرنسية في موريتانيا أن المعلومات الواردة إليه تؤكد أن سيدي المختار، زعيم أهل سيدي محمود، هو الوسيط بين وكلاء المغرب وقبائل البيظان،... جمع الشريف مولاي إدريس 500 محارب من ضمنهم 100 من سكان الحوض خاصة لغلال ومشظوف... فيما يتضاعف عدد البيظان (المناوئين للوجود الفرنسي) حول المركز، فنجاح الشريف والأمل في عمليات النهب، أمور شجعت الكثير من السكان على الالتحاق بضواحي المركز...
الرسالة السابقة تتحدث عن أحواء معركة النيملان كما سبق القول، و هناك شواهد عديدة من بينها مثلا رسالة أخرى تشير أيضا إلى هذا الدعم "وقد اتفقت جميع القبائل على إشهار الجهاد ضد النصارى و خرجت جماعة مسلحة من عند الشيخ ماء العينين...".
الشاهد في هذا المقام، أنه قد لا يمكن الحديث عن المقاومة في بلاد شنقيط و الجنوب المغربي، دون ذكر للشيخ ماءالعينين، وما أوردناه من خفيف الحمل، قد يفي بشيء مما نريد قوله، ناهيك عن الجزء الآخر من مقاومة الشيخ، و هو خروجه من السمارة نحو فاس، و الذي لم يكتمل مسيره لوفاة الشيخ بعد أن قفل إلى تزنيت سنة 1910، وفي هذا الباب مراجع كثيرة من رسائل متبادلة بين الشيخ و السلطانين مولاي عبد العزيز و مولاي عبد الحفيظ، و ما دونته مراجع التاريخ بإسهاب، و للوارد مشارب عدة لا تجهل.