الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

حسن برما: مومياءات للإيجار..

حسن برما: مومياءات للإيجار.. حسن برما

      على هامش إشاعة حذف تونس من لائحة الدول المسلمة

منذ عقود خلت، ظلت تونس الحرة عصية على التدجين والخضوع لعمائم التيه والضياع، اختارت طريقا بعيدا عن أصنام الكهف الموبوء ومراكز التوجيه الخبيث، وكانت السباقة في تبني قيم الحداثة والفكر العقلاني المتمرد على سرب الوصاية والتجهيل بشرق الفتنة التاريخية المؤبدة.

سبب نزول هذا التذكير، ضجة حالية أعقبت عزم تونس إعادة النظر في قوانين الإرث بما يضمن تحقيق المساواة العادلة بين النساء والرجال، والسماح لزواج التونسيات بالأجانب، وإلغاء المهر/ الصداق كعبء يثقل كاهل الشباب الراغب في الزواج.

والآن، حذف الأزهر لتونس الحبيبة من قائمة الدول المسلمة، دليل على أن ثورتها في الطريق السليم، ومحاولة يائسة من فقهاء القبر والمومياءات للنيل من مهد ثورة الياسمين التي أحرجت شعب قاهرة "الماعز" المصاب بداء الفراعنة وأوهام الخلود، وحقد مأجور على من عرّت سوءات أنظمة طاغية، لم تبق أم الدنيا مركزا للتنوير وتحديث الفكر العربي المريض، توارت ادعاءات ريادتها للوراء وأزهرها العقيم، تعاطف الكل مع أحفاد الشابي الذين صرخوا إذا الشعب يوما أراد الحياة.. وواصلوا طريق الثورة كما ينبغي أن تكون حتى لا تلتف عليها فزاعات "الإخوان المسلمين" المتربصين بأحلام البسطاء ويقفز عليها جنرالات التطبيع ومفترسي الحقوق والثروات.

ولا غرابة في لغو فقهاء الغفلة وتناقضاتهم الحقيرة، لا يكفرون دواحش جهاد النكاح وتدمير الأوطان ، يتركون اللحى تعيث تجهيلا وتحقيرا لعقول الأتباع ومشلولي الإرادة ، بل ويدعمون منارات القتل والاقتتال وأبواق الفتنة في فضاعات البترودولار وأقنعة شيوخها الهاربة من مارستانات القصور العقلي والفكري، يتعصبون لمهاترات وحماقات تنفي عن الأرض كرويتها عكس كل القناعات والمعارف والحقائق، ويصفقون لفقهاء يفتون بحق الزوج في ممارسة الجنس على زوجته الميتة وإن اضطر فلا ضرر من أكلها وهي جثة هامدة، طبعا إسلامهم وتدينهم الانتهازي لا يفكر سوى في الحوريات والجنس وتأكيد قوامة القضيب المعطوب.

فأي أزهر بئيس هذا الذي يكفر دولة حرة في اختيارات تخدم مواطنيها ومواطناتها وتنشر قيم العدل والمساواة بين الجميع دون اعتبار لجنس أو عشيرة؟ وأي مؤسسة غبية هاته التي تهتم بإنجاز بحوث حول قضايا تافهة لا تقدم ولا تؤخر، وتمنح الشواهد لجماجم متحجرة تعيش خارج التاريخ ولا تهتم بما يحرر الإنسان؟

صدقا، أتساءل .. هل أخذ الأزهر غير الشريف ترخيصا من الله مباشرة ليحدد المسلم من غيره؟ أما آن الأوان كي نتخلص من قبضة غربان ملتحية تعيش عالة على المجتمعات وتنغص على الناس بالتدخل الغبي في جميع مناحي حياتهم بمبرر أنهم أوصياء على تفكيرنا الحر؟ أما آن الأوان لإيقاف هذا النزيف التاريخي والتأكيد على أن مجتمعاتنا تجاوزت مرحلة فقهاء التعتيم والتمييع؟ يا بوم الشؤم.. هناك قوانين ودساتير ارتضاها الناس للحكم فيما بينهم فالزموا جحوركم واعلموا أننا جيل يرفض رفضا قاطعا الانصياع لحماة التخلف والطغيان.

والحقيقة التي لا يتناطح حولها عنزان، فقهاء الأزهر الأبله يظهرون عداءهم لمهد ثورة الياسمين، يوزعون صكوك الغفران، يسكتون على الفساد المشاع بأم الدنيا، ينحازون بغباء مثير للشفقة والتقزز  لمن يدفع أكثر، وهذه عادتهم التاريخية منذ قرون، يجدون المبررات لطغيان الحكام وتخلفهم البشع وينشرون بين القطيع قيم الطاعة والخنوع وواجب الانصياع لأولي الأمر حتى ولو كانوا مجرد كراكيز تخدم أجندات وخطط مبرمجة في مختبرات أمريكا الطاعون وإسرائيل اللقيطة، وكل من عارض سلطتهم المسعورة حاربوه وحرضوا الرعية الجاهلة على اغتيال الأقلام الحرة المتمردة مثلما فعلوا مع المفكر الشهيد فرج فودة وحين حاولوا اغتيال الروائي نجيب محفوظ.

تاريخيا، وللتذكير غير المفيد، يأتي جامع الأزهر المؤسس بالقاهرة سنة 361 هجرية في المرتبة الثالثة متأخرا بعشرات السنين والعقود، بعد جامع الزيتونة المؤسس بتونس سنة 112 هجرية، وجامع القرويين المؤسس بالمغرب سنة 245 هجرية، فمن أين له بيافطة الشرف المفترى عليه وقد أسسه التونسي المعز لدين الله الفاطمي لخدمة المذهب الشيعي الاسماعيلي؟ ومن أوكل له مهمة الوصاية على عقول وحيوات مواطني دول مستقلة بعيدة عن مياه النيل الملوثة بجميع أنواع الفيروسات؟ ومن ضخَّم لديه ذاك الإحساس الكاذب بكونه دون غيره من الكيانات الطفيلية يملك القدرة على التوجيه والتحكم والرقابة والترهيب؟

وكيف نثق في من باعوا الأوطان واشتروا الأوهام ؟ كيف نثق في من يزعمون أنهم علماء وما بأيديهم سوى معارف مستهلكة متجاوزة متجذرة في كهوف الظلمة وأنفاق الاستغباء الكريهة ؟ كيف نثق في من التزموا صمت أبي الهول حين طبَّعت أم الدنيا مع الكيان المغتصب لأرض فلسطين الأبية؟ وكيف نصدق لغطهم المسترسل وقد تواطأوا بمكر وبلادة مع طغاة مصر والخليج ومرتكبي المجازر الدموية في حق شعوب فلسطين وليبيا وسوريا والعراق؟ كيف؟!!!

وعكس ما تريد أبواق الأزهر الصدئة، ستشرق شمس الحرية دوما من تونس الحبيبة، فالتفتوا لفساد شارع الحمراء وحكام مزادات التطبيع أعداء الحق في الحرية والكرامة والعدالة!!!