الأربعاء 8 مايو 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: ضد مأسسة النسيان وقمع ضمير الذاكرة..

مصطفى المنوزي: ضد مأسسة النسيان وقمع ضمير الذاكرة.. مصطفى المنوزي

بقلب مفتوح، سأقول وسأبوح، بلا حواجز ولا تنميق، في سوس المناضلة والمقاومة التي خلقت مني كائنا منفعلا ومتفاعلا، سوس الحقيقية أقصد، أما سوس الافتراضية التي ستنعقد يومه السبت 27 يناير 2018 حولتني لحظات التئام محبيها ومناصري شهدائها وأبطالها، بلا مجد طبعا، إلى ذلك المواطن الذي يفكر بالعبرات ويبكي بالعبارات، فتحت عنوان تكريم خالنا الفقيد محمد آجار بونعايل، التأمت روحي وهي تحلق في سماء مدينة بولمهارز، وأمزميز وتحناوت وأورير ودمنات وادوز وبزو وتنالت مع ذوات أصدقائي وبعض أفراد عائلتي من جيلي ومن مواليد الخمسينيات والستينيات، لكي نلملم جميعا ما ظل من جراح لدى الأمهات والأرامل والضحايا، وسيكون موضوع الذاكرة والحقيقة وجبر الأضرار مؤلما خلال تناوله ومحاولة معالجته.

انتابني شعور غريب تملك طاقتي وطوق انتباهي نحو شرود خاص، بينما رفاق دربي وطفولتي وشبابي سيتداولون في الخطوط العريضة، جذبتني تفاصيل القضية وعادت بي إلى مهدها وتذكرت رسالة افتراضية بعثها جلاد مجهول الهوية والعنوان و أيضا المصير، كما هو حال أغلب شهدائنا ومفقودينا المناضلين والمناضلات، رسالة بمثابة رد على الاستفهامات التي تلف أعناقنا صباح مساء، فكانت جوابا يمينيا وأفظع من الاختطاف، ويا ليته لم يجب؟

يا امرأة، أما أو زوجة أو أختا، تسألن عن فقيد منتظر على صفحات تقارير الجلاد، سمنحكن شهادة وفاة وعنوان لمقبرة في خلاء على امتداد الوطن، سيعود، عاد، بل لم يعد؟ مجهول المصير، ربما توفي في الـ... هناك وربما عندهم، لسنا متأكدين لأن تاريخكن لا يتطابق مع أرشيف رؤسائنا المهرب في العتمات، عصابات قريبة من عشيرتنا اختطفتهم إلى جهة غير معلومة، لكن اطمئنن فجبهاتنا، وإن كانت كثيرة، فإنها تحت السيطرة دون أن نعلم أين هي، ومع ذلك فنحن وظلالنا سوف نرافقكن إلى الضفة الأخرى من الحقيقة، لعل في ذلك عزاء لنا، وجزاء لكن، سنكشف عن المصير دون الحقيقة وسنعرض عليكن قبورا متنوعة وعديدة، فاخترن، من الأفضل، قبر النسيان، جثامين افتراضية في صناديق غير زجاجية، ضريحا جماعيا لشهدائكن وفقيدينا سامحهم الله على سقوطهم الاضطراري ضحايا سوء تدبيرنا الأمني.

وإذا كان لابد من اعتذار فالعهدة على العقل الأمني والعقل السياسوي الذي سيكتب التاريخ بوجدان قضاء الفظائع الجبرية ومكر قدر الحقيقة القصرية (إيه بالصاد)، عفوا القسرية، ضدا على ضمير الذاكرة الوطنية الجماعية، وبمداد عدالة المنتصرين أو حبر إيديولوجيا الهزيمة .