الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

الصادق العثماني:هل تحول شهر الصيام إلى سوق الحروب والإبتزاز والإحتكار

الصادق العثماني:هل تحول شهر الصيام إلى سوق الحروب والإبتزاز والإحتكار

شهررمضان معلومة أهدافه عند القاصي والداني، والصغير والكبير، والعالم والجاهل والمتدين وغير المتدين؛ هو شهر عبادة وتبتل وإمساك وتهليل وتحميد ومناجاة وتلاوة قرآن، وصدقة وإطعام وكف النفس واللسان والجوارح عن أذى الناس، وكل ما يؤدي إلى التسافل والتباغض والتشاحن والتقاتل، سواء أكان بين المسلمين أوغيرهم، يقول عليه الصلاة والسلام "ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد، أو جهل عليك، فقل: إني صائم، إني صائم "(الحاكم في المستدرك)، تعليمات صارمة وحكم مفيدة تقدمها مدرسة رمضان للمشاغبين والمشاغبات من أجل الإنضباط والإستقامة؛ فهي مدرسة تربوية عظيمة، وشهر مبارك كريم، شهرالرحمة والمغفرة والمحبة والسلام والكرم والجود والخيرات والبركات، والتعاون والتضامن ومساعدة الفقراء والملهوفين والمحتاجين، كما هو شهر تزكية وتنقية وتخلية وتحلية.. هذه التزكية هي بمثابة مادة التنظيف، تقوم بعملية غسل القلوب والأفئدة من الغل والحقد والدنس والنفاق والمكر والخداع.. مما يجعلها تحلق في سماء الطهارة والنقاء والصفاء، مع أولياء الله الصالحين، الذين آمنوا وكانوا يتقون.

فالله سبحانه وتعالى لعلمه بما ستجنيه النفس البشرية الأمارة بالسوء من المنكرات والموبقات والذنوب والآثام خلال عاما كاملا، هيأ لها هذا الشهر الفضيل لتكفر عن ذنوبها، ولتعود الى ربها راضية مرضية، بعدما تكون قد حظيت بغفران الله ورحمته وعفوه. عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيمانا ً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"؛ لكن أنا ﻻ أفهم أبدا لماذا المسلمون اليوم حولوا هذا الشهر، وخاصة التجار منهم إلى شهر استغلال وابتزاز واحتكار المواد الغذائية مع رفع أسعارها إلى درجة لا تطاق؛ بينما نجد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل "الكافرة" توقع قبل أسبوع على قرار يقضي بإعفاء أصحاب الأسواق والمطاعم الإسلامية من الضريبة في شهر رمضان، من أجل دفع هذه المطاعم الإسلامية إلى تخفيض أسعار المواد الغذائية للمسلمين في هذا الشهر الفضيل . والطامة الكبرى والمصيبة العظمى هو أن هذا الشهر الكريم، شهر الصيام والقيام والطاعات والتوبة والرحمة والمغفرة والعتق من النار، قد تم ربطه من قبل أغلب المسلمين بالجهاد والقتال والغزوات والحروب والفتوحات، التي وقعت في تاريخنا الإسلامي وفي سياقات معية ومحددة؛ فنجد البرامج الدينية والمسلسلات اﻹسلامية والندوات والدروس والمواعظ، التي أعدت خصيصا لهذا الشهر الكريم لبثها عبر الفضائيات العابرة للقارات، والتي سيشاهدها الملايين من المسلمين وغيرهم من اﻷجناس المختلفة في أرض الله الواسعة، هذه المواد المهيئة للعرض خلال هذا الشهر الكريم، تعطي انطباعا سلبيا عن هذا الركن الرابع اﻷساسي في الدين اﻹسلامي؛ أﻻ وهو صيام رمضان، وخاصة إذا كان المشاهد أو السامع لها أو القارئ غير مسلم؛ بحيث ترسخ في أذهان الناس أن هذا الشهر العظيم هو شهر القتال والجهاد والبطوﻻت واﻹنتصارات على الكفار..!! هذا المفهوم السلبي عن شهر رمصان الذي يروج له عبر دروس الوعظ واﻹرشاد في مساجد المسلمين شرقا وغربا، أعطت الدولة الإسلامية للعراق والشام "داعش" هذه الأيام أوامرها لبعض أنصارها في أوروبا، ليقوموا بتفجيرات وبعمليات "استشهادية" ضد النصارى؛ حسب ماجاء في بيانها عبر الفضاء الأزرق. مع اﻷسف الشديد، روحانية شهر رمضان عند المسلمين، قد ضاعت بين سهرات الرقص والمجون وهزعضلات البطون، وبين بعض الجهلة من شيوخنا ودعاتنا وأئمة مساجدنا الذين لم يفهموا البعد الإنساني والتربوي لشعيرة الصيام، ومقاصد الإسلام الذي جاء هداية ورحمة للعالمين؛ فعوض أن يقوم هؤﻻء بشحن همم المسلمين باﻹيمانيات والروحانيات، وحثهم على البر والتقوى والطاعات وفعل الخيرات ومساعدة المرضى والعجزة من كبار السن في هذا الموسم الرباني، تراهم يبثون في دروسهم سموم الكراهية والحقد والفتنة والطائفية والمذهبية والحزبية والعنصرية في وجدان أبناء المسلمين؛ مع التحريض على الكراهية والعنف وعدم التعامل مع الآخر؛ تحت تفسيرات واهية منحرفة لعقيدة الولاء والبراء! يقول أحد هؤلاء الدعاة الحمقى في البلاد الغربية، وهو يلقي خطبته أمام الجموع الغفيرة من أبناء الجاليات المسلمة في رمضان، ومما جاء فيها: "يا شباب الإسلام ها قد غشيكم شهر رمضان، شهر العزة والكرامة والقوة والنصر والفتح المبين؛ لذلك كانت شهور رمضان أيام نصر حربي بامتياز، وفوز نضالى كبير، ففي مواسم هذا الشهر الكريم تحققت انتصارات اسلامية رائعة على الكفار والطواغيت الذين يعبدون من دون الله، تبتدئ بمعركة بدر مرورا بمعارك كثيرة أشهرها فتح مكة والأندلس وحطين وعين جالوت، كان هذا الشهر يحفل على مدى العصور بكبريات الوقائع الحربية الحاسمة في تاريخ الاسلام.."

فنوعية هذه الخطب المنبرية العاطفية الرنانة تدفع بشبابنا إلى القيام بعمليات انتحارية في أسواق ومطارات الغربيين طمعا في الحور العين؛ فإن لم تتحرك الجهات المعنية والمراجع اﻹسلامية والفقهية في عالمنا العربي واﻹسلامي بوضع برامج دينية علمية تربوية متينة، تراعي مستجدات العصر وتغيرات الزمان والمكان، والحال والأحوال للأمم والشعوب، فإننا على خطر عظيم . حان الوقت للبدأ في مسيرة التجديد الديني وغربلة التراث الإسلامي وتنقيته من بعض الأساطير والخرافات والقصص المدسوسة فيه من قبل بعض المغرضين، وإلا سيلفظنا التاريخ ويعادينا العالم أجمع.