عبد العزيز بلحسن، و في الأفق جبل من " الرومبلي" أي مخافات الفحم الحجري التي لازالت جاثمة/شاهدة على الذاكرة العمالية لجرادة
قبل إغلاق المنجم، ساقت الإدارة كما هائلا من التبريرات، من بنيها ، ارتفاع كلفة الإنتاج وهبوط ثمن الفحم الحجري في السوق العالمية ...لكن الهدف الأساسي و المخفي؛كان يتمثل في التخلص من مدينة عمالية، طبقتها العاملة تقدر بحوالي 9000 عامل، افنوا زهرة شبابهم في أعماق الأرض؛ من أجل خدمة الاقتصاد الوطني و تنمية البلاد، وما نتج عن هذا الجهد من حوادث شغل مميتة داخل أنفاق المناجم ( الداخل مفقود والخارج مولود )، و ما أصابهم من مرض خطير " السحار الرملي / السيليكوز الذي فتك بالعمال المنجميين."خاضت الإدارة و السلطات الحكومية الوصية و النقابات اجتماعات مارطونية ، وخلال هذه اللقاءات ، تم طرح عدة حلول، مع تقسيم العاملين في المنجم إلى صنفين، فئة الأطر ورؤساء الأوراش، و فئة ثانية تضم العمال المنتجين؛ الحلول التي طرحت كانت تصب دائما في صالح الفئة الأولى. وتم في البداية استبعاد التقاعد النسبي؛ حتى لا يستفيد العمال من راتب قار يحفظ كرامتهم، و تغطية صحية تساعدهم على مواجهة غول المرض المهني " السيليكوز " الذي نخر أجسادهم المنهكة بسبب ظروف العمل القاسية. كما تم الاتفاق عن تعويض مالي عن سنوات العمل مع انتظار سن التقاعد للاستفادة من الراتب و التغطية الصحية .
لقد كانت التعويضات سخية مع الفئة الأولى-الأطر و رؤساء الاوراش- و ضعيفة مع فئة العمال .هل من العدل و المنطق ترك هذه الفئة التي نخرها السيليكوز تواجه مصيرها بدون تغطية صحية ؟ العديد منهم مات قبل بلوغ سن التقاعد، و أكثرهم صرف التعويض المالي في تغطية مصاريف العلاج الباهظة الثمن؛ حتى أن بعضهم الذي هاجر إلى مدينة أخرى عاد للاستقرار أو بالأحرى الموت في مدينة جرادة ؛بعد أن صرف كل التعويض الذي تسلمه عن قرارإغلاق المنجم . سألت أحد العمال المنجميين، " كيف كان موقف النقابيين من هذا الاتفاق المجحف في حق العمال و بالخصوص انتظار سن التقاعد في غياب أية تغطية صحية ؛ هم في أمس الحاجة لها و طيلة هذه المدة؟"
فكان جوابه باختصار شديد " جل النقابيين كانوا مشرفين على سن التقاعد، بل بعضهم كان متقاعدا أصلا و مازال يقود النقابة".
ـ حلقات يكتبها : الفاعل السياسي والحقوقي الأستاذ عبد العزيز بلحسن
ـ في الحلقة القادمة، سنتناول مخلفات و تداعيات إغلاق المنجم و ما نتج عنه و دور الدولة في عدم تنفيذ بنود الاتفاق و ظاهرة الاستغلال العشوائي و المآسي التي نتجت عنه .