الأربعاء 27 نوفمبر 2024
اقتصاد

هذه هي محاور لقجع الثلاثة حول إشكالية النموذج التنموي المغربي

هذه هي محاور لقجع الثلاثة حول إشكالية النموذج التنموي المغربي

في إطار التفكير في نموذج تنموي كفيل بأن يضمن للمغرب القفزة النوعية اللازمة للالتحاق بمصاف الدول الصاعدة، نظمت وزارة الاقتصاد والمالية وجمعية أعضاء المفتشية العامة للمالية من 2 إلى 3 يونيو الجاري بالصخيرات، ملتقى دوليا حول موضوع "النموذج التنموي المغربي للدخول النهائي ضمن الدول الصاعدة". وجمع هذا الملتقى متدخلين من آفاق مهنية وجغرافية متعددة (خبراء دوليون، شخصيات سياسية، جامعيون، مهتمون بالشأن الاقتصادي، ممثلون عن القطاع الخاص، فاعلون من المجتمع المدني..) والذين سيقدمون تقييمهم وأفكارهم وتوصياتهم حول موضوع هذا الملتقى.

ودعا المنظمون إلى تقييم التقدم الذي أحرزه المغرب في مختلف المجالات والصعوبات والاختلالات الواجب تداركها سواء تعلق الأمر بتسريع الإصلاحات الهيكيلة أو إعادة النظر في النموذج التنموي المعتمد منذ سنوات.

وأوضح فوزي لقجع، رئيس جمعية أعضاء المفتشية العامة للمالية، في كلمته، أن ".. كل هذه الإنجازات والتراكمات لم تمكن بلادنا من الانتقال إلى مصاف الدول الصاعدة، وقد سبق للملك أن تعرض لذلك في خطابه بمناسبة الذكرى الـ 61 لثورة الملك والشعب، ووضع بالمناسبة الأصبع على السؤال الجوهري حول مشروعنا التنموي الحالي بقوله "هل هذا النموذج قادر على التقدم وعلى رفع التحديات والعوائق التي تواجهه؟". ويضيف لقجع قائلا، هذا هو بالضبط ما نحن مدعوون للنظر فيه اليوم من زاوية  التشخيص للوقوف على الخلل والعمل على استكشاف البدائل الممكنة ولعل التشخيص يمر عبر مسارات متشعبة ومعقدة.

واستطرد "إنني  أفضل أن أقتصر على ثلاث محاور باختصار شديد رغم أن كل محور يمكن تفكيكه عبر عشرات الأسئلة.

المحور الأول، ويمكن تناوله عبر السؤال التالي: هل تتناسب بنية الناتج الداخلي الخام عندنا مع شروط الانتقال للاقتصاديات الصاعدة؟ إن هذا السؤال لوحده يلخص جانبا مهما من الإشكالية إذ بإمكان الإجابة عليه بمجرد المعاينة البسيطة.. وذلك حين نلاحظ حجم تأثير المردود الفلاحي على مستويات النمو، حتى لا نقول بشكل مباشر حجم التساقطات المطرية. هل هذا يعني أن نموذجنا في حاجة إلى إعادة صياغة التراتبية داخل بنية الناتج الداخلي الخام. إذا كان الأمر كذلك، ما هي آليات التدخل الإرادي وما هو التحول المطلوب في الاختيارات العامة المؤطرة للسياسات العمومية قصد توفير الشروط المناسبة؟ وعلى هذا المنوال يمكن صياغة سلسلة طويلة من الأسئلة ترتبط بالانعكاس على السياسة الاستثمارية والموازناتية والجبائية والمقاولاتية وحتى التكوينية والتأهيلية.

ويمكن تلخيص المحور الثاني في مدى تأثير الفوارق الاجتماعية وانحصار الطبقة الوسطى على تنشيط الحياة الاقتصادية. إن هذا السؤال يؤشر مباشرة على مسألة توزيع الثروة، وهنا لا أسعى للنظر إلى المسألة من زاوية  العدالة الاجتماعية ومشروعيتها بل من زاوية براغماتية صرفة تنطلق من  البحث على الشكل الأمثل للتوزيع الذي بإمكانه ضمان دينامكية متصاعدة وحيوية للحياة الاقتصادية عموما. وفي هذا الإطار يدخل الجانب الاجتماعي والفوارق المجالية والقيمة المضافة الممكنة للجهوية الموسعة.

ويمكن مقاربة المحور الثالث من خلال التساؤل عن كيفية السبيل إلى بناء الانسجام ما بين الطموح التنموي في أبعاده الاقتصادية والاجتماعية وبين تنشئة الإنسان المغربي بما يمكنه من  تملك المشروع التنموي. ونعتبر أن هذا المحور لا يقل جوهرية عن سابقيه بل ربما يكون أخطرهم وأكثرهم تشعبا. قد يتراوح من المسألة التعليمية إلى الطمأنينية الروحية ومن التصالح الهوياتي مع روح العصر إلى المحتوى الإعلامي ونوعية القيم الثقافية والفنية. كثير من التجارب تعلمنا أن غياب الانسجام بين مشاريع التحديث والتقدم وبين مسارات ثقافية في فترات محددة تؤدي إلى الانتكاس على كافة الأصعدة. قد يعتقد البعض أنه بالإمكان بناء نموذج تنموي قوي دون الاكتراث بالتربية الجمالية والفنية عموما للناشئة، وعلى نفس الشاكلة بناء التنمية في ظل تغييب الكتاب والمقروئية أو تحقيق التنمية دون استحضار الرأسمال اللامادي، إنه من سوء التقدير الاستخفاف بهذا الجانب ببساطة لأن الإنسان هو محور كل سياسة تنموية وهو صانعها في نفس الوقت. وبالتالي لا يمكن حصره فقط في حاجياته الاجتماعية ولكن النظر إليه من زاوية الفاعل الحاسم الذي يعكس قيما وتصورات. بعد هذا قد لا نحتاج لمساءلة واقعنا  لنتأكد من مدى استحضارنا لهذا الجانب..".