الجمعة 26 إبريل 2024
مجتمع

أمين صوصي علوي: أمريكا ساهمت في خلق رأي عام عربي معاد لمؤسسات الدولة

أمين صوصي علوي: أمريكا ساهمت في خلق رأي عام عربي معاد لمؤسسات الدولة أمين صوصي علوي

يتحدث أمين صوصي علوي، خبير في مجال البروبغندا التطبيقية، عن أسباب عدم تصديق الرأي العام الوطني للروايات والأرقام الرسمية، وكيف أن القاعدة هي أن من يسبق في نشر الإشاعة يكون هو المستفيد من انتشارها..

+ لوحظ مؤخرا تداول مقاطع فيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي، ورغم تأكيدات مديرية الأمن الوطني، أن الأحداث لا علاقة لها بالمغرب، استمر تداول هذا الفيديو بشكل واسع.. في نظرك لماذا لا يثق المغاربة في البلاغات الرسمية لمؤسساتهم؟ 

- المغرب ليس حالة منعزلة عن العالم العربي في انتشار الإشاعات، بل وعدم تصديق الروايات الرسمية، فمنذ سقوط جدار برلين، كثفت الولايات المتحدة الامريكية ودول أوروبا الغربية حملتها الإعلامية لتمهيد المنطقة التي تسميها قواميسها الاستعمارية بـ "الشرق الأوسط" للفوضى والتقسيم. بدأت الحملة بتكسير ما يعرف بالحدود الفضائية، وأصبحنا أمام فضاء مفتوح، من خلال بث قنوات الحلف الاطلسي لأخبار موجهة خصيصا للعالم العربي بلسان عربي، على عكس ما تبثه لمشاهديها الذين يستهلكون قنواتهم الرسمية المحلية، فأصبحنا بدون حماية أمام حملة تحريض إعلامية مسعورة تبث من خارج الدول العربية، ساهمت في خلق رأي عام عربي معادي لمؤسسات الدولة، وجاهز نفسيا لإنكار أي شيء مصدره القنوات الرسمية، ويشكك فيها بشكل تلقائي. لكن لم يكن لهذه الحرب النفسية أن تنجح قبل التأسيس لها من خلال ما يعرف بـ "الأوهام الضرورية"، التي تحدث عنها أحد أشهر آباء البروباغندا الحديثة، الصحافي الأمريكي "والتر ليبمان"، وتقتضي توهيم الرأي العام بمجموعة من المعتقدات المضللة التي تجعله طيعا سهل الانقياد.. من بين تلك الأوهام أكذوبة "إعلام الحلف الأطلسي ذو مصداقية"، وبأن ما يبثه يمثل حقائق لاشك فيها، والحقيقة أن قنواته غير مستقلة وتخضع للرقابة والتوجيه في خطها التحريري، سواء من طرف لوبيات المال أو مراكز صناعة القرار السياسي. ودليل ذلك أن القنوات الأطلسية التي تبث باللغة العربية كلها تتبع لوزارات الخارجية للدول التي تبث منها. وفي المقابل تم توهيم الرأي العام العربي بأن ما تبثه وسائل إعلامه الرسمية لا يمثل الحقيقة، واقنع بالتشكيك في كل الروايات والبلاغات والأرقام الصادرة عنها، ولإضفاء الواقعية على ذلك يتم التركيز على بعض الأخطاء والاختلالات وتضخيمها، وتقديمها على أنها تمثل السلوك الرئيسي للدولة. هذا ما لاحظناه بشكل مكثف في ما سمي زورا بـ "الربيع العربي"، حيث عملت هذه القنوات على استهداف الاستقرار في البلدان العربية، ورأينا كيف أن بعض الأخبار الزائفة والاشاعات انتشرت في سوريا ومصر وليبيا.. كالنار في الهشيم، وأتت على الاخضر واليابس، حيث عمدت مراكز التضليل في الخارج إلى إطلاق أكبر عدد منها وبشكل مكثف ومستمر، وهي تعلم أن الرد عليها يحتاج وقتا طويلا مما يجعلها في وضعية سبق دائمة ويجعل المؤسسات في وضعية إرهاق في المواجهة.

+ إلى جانب القنوات الإعلامية هناك منصات التواصل الاجتماعي، واتساب، فيسبوك.. هل هو قصور في مواكبة المؤسسات الرسمية لهذا التطور التكنولوجي؟

- لابد من التأكيد أولا على أن من يكون له السبق في نشر الإشاعة يكون هو الأكثر استفادة من انتشارها.. وعليه فإن الجهة التي ترد تكون وضع أضعف من حيث الإقناع والانتشار، وهو ما يجعل المؤسسات الرسمية عاجزة عن المواجهة أمام تناسل الإشاعات، وقد سهلت المنصات التواصلية تداول الأكاذيب وبث مقاطع الاخبار  الزائفة والصور المفبركة والتسجيلات المزورة او المبتورة من سياقها الحقيقي، وقد عشنا سبع سنوات ثورة عجاف، رأينا فيها أثر هذه المنصات المدمرة على بلدان عربية.

علينا أن ندرك بأن الناس تنبهر بكل ما هو مثير للغرائز وغريب عن العادة والطباع، منها مظاهر العنف والجريمة، وقد تداولت الناس مثلا تسجيلات مختلفة تبين زيفها لاحقا، لكنها لا تزال متداولة وتروج دون توقف.. هذه الظاهرة يعرفها جيدا مروجو الإشاعات، لهذا لا يهمهم كثيرا اكتشاف اكاذيبهم.

ذاكرة الجماهير قصيرة، وهو ما يجعل نشر الكذب أسهل من الرد عليها، لأن المتلقي، وإن أتيته بالدليل، يصر على تصديق ما تلقاه في البداية، مع استحضار ما ذكرناه من تشكيكه الدائم في الرواية الرسمية.. والمفارقة أنه يحتكم لعاطفته في الإشاعة، ولا يستخدم عقله في تلقي التكذيب. ومن الجهات التي تصدرت رأس قائمة ناشري مثل هذه الأكاذيب، صفحة "رصد المغربية"، والتي لها باع طويل في هذا المجال منذ 2011.. ورغم اعتقال أحد تقنييها، فإن العقول المدبرة خارج المغرب، ومازالت تنشر بشكل لحظي فيديوهات ممنطجة وأكاذيب تهم كل مرة مجالا معينا من الرياضة إلى السياسة، والمحصلة هي خلق رأي عام ساخط يجد له امتدادا في كل القطاعات والمجالات، مستعد للانفلات ضد السلطة القائمة.

+ هل يمكن توجيه شكايات للإدارات المشرفة، مثلا على فيسبوك وواتساب، بهذا الشأن؟

- الامر ليس بهذه السهولة، فنحن لسنا أمام منبر إعلامي ورقي أو مسموع أو إلكتروني، يتوفر على عنوان قار وإدارة معروفة بأسماء العاملين فيها.. نحن أولا أمام فضاء مفتوح، مؤطر بأوهام ضرورية مثل "حرية التعبير"، وعندما تشتكي لإدارة فيسبوك مثلا، يواجهك بعدم مخالفتها لقوانين النشر.. وفي الحقيقة تلك المنصات تعتمد آلية تلقائية تبني المصداقية على أساس كثرة الانصار والكثافة الجماهيرية للمتابعين، وهو ما يسمح لهذه الصفحات بالانتشار الواسع والبقاء.

+ إذا كانت مثلا إدارة فيسبوك، لا تتجاوب مع الشكايات الرسمية، هذا يطرح جدوى الشرطة التقنية أو المعلوماتية؟

- هناك من تم القبض عليه وتجري محاكمته بشكل قانوني، وفق نصوص تجرم أفعاله في الترويج للأكاذيب واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي، لكن أغلبية المصادر تكون من خارج المغرب، ويصعب في هذه الحالة متابعة المعنيين بالأمر، الذين ينشرون بأسماء وهمية، ومن أماكن متفرقة ومجهولة، ومن ثمة يصعب ضبطهم قضائيا، وهو ما يجعلنا أمام اتجاه محدد للكذب، واتجاهات غير محددة للرد عليها، فتضيع الجهود، كما أن متابعتهم قضائيا تطرح مسألة التضييق على ما يعتبرونه "حرية التعبير"، ويعتبرون محاكمة المتورطين في بث الاكاذيب، قمعا للحريات!

+ في ظل هذا الوضع، كيف يمكن تحصين المغاربة من تصديق مثل هذه الفيديوهات الكاذبة؟

- استعادة ثقة المواطن بمؤسساته الرسمية هو السبيل الوحيد للتصدي لهذه الإشاعات المغرضة، أما الآليات فتحتاج لوقت طويل من التربية والتدريب للراي العام على التعامل الذكي مع الخبر والصورة وكيفية التحقق من مصادرها، وإذا نجح الإعلام الاطلسي في زرع التشكيك في الروايات الرسمية للدول العربية، علينا أن نخلق جيلا من المشككين بحق في هذا الإعلام نفسه، مع ضرورة تطوير آليات العمل عن طريق مراكز مختصة ميدانيا، تراقب كل ما يبث عبر الاعلام الرقمي والتقليدي وترصد التزييف وتسارع للتعامل معه. وعلى الإعلاميين المسؤولية الأكبر في مواجهة هذه البروباغندا، لأنهم في الغالب أول ضحاياها وأول المروجين لها، وينبغي تدريبهم على فهم آلياتها وكيفية التعامل معها بشكل احترافي.