الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

إبراهيم حريري : نحو تطوير اللغة العربية

إبراهيم حريري : نحو تطوير اللغة العربية

في حوار سابق للمفكر المغربي الدكتور عبد الله العروي مع جريدة الأحداث المغربية حول اللغة العربية و آفاقها و ذلك ردا منه على دعوة التدريج،  دعى العروي إلى تطوير و تثوير اللغة العربية في         مواجهة :

أولا : دعاة الجمود الذين ينظرون إلى اللغة العربية كلغة مقدسة، كاملة و ناجزة و لا يقبلون تطورها كأية لغة حية و هم المحافظون سواء كانوا على مستوى اللغة أو الدين أو الاقتصاد.

ثانيا :  دعاة التدريج أو التلهيج بما يحمله مشروعهم من نزقية و تسرع و خلط للأدلوجي مع اللغوي.

ذلك أن مشروع التلهيج أو التدريج يسعى ضمن ما يسعى إليه إلى سحب البساط من فريق سياسي و هو الإسلاميون من خلال تشجيع استعمال الدوارج المحلية على مستوى أقطار و دول الجامعة العربية المسمى " عالم عربي "، حتى يتسنى لهم كسب مزيد من الأنصار و دفع الملتحقين الجدد بحركة التلهيج بركب " الليبراليين الجدد". هذا المشروع السياسي يركب اللغة باعتبارها معطى إيديولوجيا و لا ينظر إليها باعتبارها معطى حضاريا.

و في هذا المقال، سأذهب مع الدكتور عبد الله العروي في مذهبه لتطوير اللغة العربية، ومع اعترافي الكامل بأني لست مؤهلا لمثل هذه المهمة، غير أن المحاولة أو المجازفة في مثل هذا الحقل المليء بالألغام، أعتبرها واجبا و أتمنى الأجرين في حال التوفيق و أجرا واحدا إذا لم أنجح.

 -  مسألة المثنى I

يقول العروي دائما في ذات الحوار المشار إليه آنفا، بأن جميع اللغات الحية تعتبر ما زاد عن الواحد فهو جمع. و بالتالي لا يوجد شيء اسمه المثنى في اللغات الحية. و اللغة العربية – دائما حسب العروي – لا بد و أن تسير في ذات النهج إذا ما أرادت التبسيط و التطور الذي هو سنة الله في الأرض.

1- الاستشهاد بالشعر :

لا يسعفنا الشعر العربي قديمه و حديثه في هذا المنحى، فالشعراء العرب أبقوا على المثنى دونما سعي إلى تجاوزه في حديثهم عن الأزواج.

2- الاستشهاد بالقرآن :

في القرآن الكريم، و في سورة البقرة خصوصا الآية 36، قد نجد ضالتنا، و سنبدأ أولا بعرض الآية. يقول عز و جل " فأزلهما الشيطان عنها فأخرج"هما" مما "كانا" فيه و قلنا " ثم يضيف عز و جل في نفس الآية و قد انتقل من المثنى إلى الجمع " قلنا اهبطوا " بعضكم" لبعض عدو و " لكم" في الأرض مستقر و متاع إلى حين " انتهت الآية.

لقد قسمنا الآية إلى قسمين لأسباب ديداكتيكية بحثة. ففي القسم الأول، كان المخاطب من طرف سبحانه و تعالى هو آدم و حواء الذين أزلهما الشيطان و أغواهما فأكلا من الشجرة التي نهاهما عنها الله، فكان سببا مباشرا لإخراجهما مما كانا فيه أي الجنة.

و في الجزء التاني من ذات الآية، لم يتغير المخاطب الذي بقي دائما هو آدم و حواء و لكن صيغة المتكلم هي التي تغيرت، فقد كان المتكلم بصيغة الغائب و عندما استعمل الله سبحانه في حقه تعالى صيغة الحاضر استعمل الجمع في حقه " قلنا " و هذا ما يجوز له سبحانه من صيغ الترفع. ثم يستعمل سبحانه للمخاطبين المباشرين في الآية أي آدم و حواء صيغة الجمع فيخاطبهما ب " اهبطوا"  " بعضكم" ثم " لكم ".

3- التفسير :

إذا ما رجعنا للتفاسير القرآنية، نجد أن القرطبي في تفسيره، خص الآية موضوع استشهادنا بشرح الجزء الأول ثم شرح الجزء الثاني، و كان قد انتبه إلى الانتقال من المثنى إلى الجمع، و فيما يلي تفسير القرطبي للجزء الثاني من الآية.

أ- عن رواية لمحمد بن مصفى عن أبي حيوه أن المخاطب في " اهبطوا " هو آدم و حواء و الحية و الشيطان.

ب- و قال الحسن البصري بأن المخاطب في " اهبطوا" هو آدم و حواء و الوسواس.

ت- و قال مجاهد و البصري بأن " اهبطوا " المقصود بها ذرية آدم و ذرية إبليس.

نعم، لقد انتبه المفسرون إلى هذا الانتقال من المثنى إلى الجمع. ولأنهم لم يكن يدور في خلدهم أن المثنى يمكن أن يصير جمعا، فقد أضافوا مرة الحية والشيطان رغم أن الآية لم تذكرهما بالصفة، وبالرغم من أن حكاية الحية توجد في كتب التفاسير وليس في القرآن. ثم أضاف البصري " الوسواس"، حتى تستقيم الآية في نظره على المستوى اللغوي. ثم أضاف البصري أيضا أن المقصود ب"اهبطوا" قد يكون هو ذرية آدم و ذرية إبليس ، على الرغم من أن الآية تستعمل صيغة " الأمر" الذي يكون أمرا موجها للشخص الماثل أمام الآمر و ليس ذريته، و هل كان يعلم حينها آدم أو إبليس أنه ستكون لهم ذرية.

4- المثنى جمعا :

إن الانتقال من المثنى في الجزء الأول من الآية إلى الجمع في الجزء الثاني قد سبقه استعمال الجمع في كلمة " قلنا" و القائل هو الله تعالى الذي يجوز في حقه سبحانه و تعالى المفرد و الجمع و ليس المثنى أبدا. و عندما استعمل في حقه سبحانه الجمع و حتى يصير المخاطب في مستوى الخطاب الإلهي فقد رفع الله من قيمة الأخير أي المخاطب الذي هو آدم و حواء و جعلهما "جمعا" و بالتالي استعمل في حقهما الجمع.

هكذا يعطينا القرآن الإمكانية لاستعمال الجمع في حق المثنى. و أعتقد أن الآية واضحة في هذا المجال. أما الاستعانة كما فعل المفسرون القدامى بالحية و الشيطان و الوسواس أو بالقادم من ذرية آدم فهو أمر نستطيع دفعه. نعم لقد قام الفقهاء بهذا الأمر لأنهم لم يتخيلوا أبدا أن يتم تجاوز المثنى في اللغة العربية.

-  الحروف العربية : حروف زائدة و حروف ناقصةII

دائما فيما يخص تبسيط اللغة العربية و جعلها لغة تنبض بما يمور في المجتمع الحي، أريد أن أشارك مع القارئ وجهة نظري البسيطة فيما يخص الحروف العربية.

1-  ال "ك" (بثلاث نقط) حرف ناقص

تتكون اللغة العربية من 28 حرفا كما هو معروف. وهي حروف مكتوبة وليست فقط حروفا صوتية بمعنى أن بعض الحروف الصوتية غير موجودة في اللغة العربية المكتوبة. و لنا في المغرب مثلا إشكالا مع حرف ال " ك " الذي نكتبه بالكاف و فوقها ثلاث نقط.

إن حرف " الكاف - بثلاث نقط " حرف صوتي منتشر في كثير من الدول العربية، في مصر خاصة منطقة الصعيد و كذلك في المغرب، غير أنه على مستوى اللغة المرسمة لا وجود لحرف " الكاف " و بعدم وجود هذا الحرف تفقد كثير من المفردات المغربية حقها في التداول. بل إن منطقة مثل الشياظمة التي تمتاز بموسم سنوي و هو موسم "ركراكة" (الكاف بثلاث نقط) تفقد هويتها كما اقترف ذلك بعض الصحافيين.

بمنطق أقل ما يقال عنه أنه منطق تعسفي و ينتمي إلى عصور غابرة حيث يتم " تخطيء " إسم أو دولة أو قبيلة ليتم قبول اسمها في العقل العربي الذي لا يقبل " اللحن". هكذا صارت "ركراكة " " رجراجة " في إحدى تلك الصحف مع ما تحمله كلمة "رجراجة" من محتوى قدحي مرفوض بتاتا من طرف أبناء الشياظمة الذي أنا واحد منهم.

2-  الدال و الذال – الضاد و الظاء – التاء و الثاء

يقول مؤرخو اللغة العربية أنه أثناء ترسيم اللغة العربية في القرن الثاني للهجرة، كان اللغويون العرب يبحثون على المفردات و طريقة نطقها السليمة عند البدو. وذلك لأن، بالنسبة للغويين، النطق السليم للعربية يوجد عند البدو.

هكذا صارت اللغة العربية ومنذ البداية لغة ترفض المدينة وتبحث عن نقاوتها في الصحراء. و اللغة المتداولة اليوم على المستوى الكتابي هي لغة الصحراء بما تزخر به من مفردات و تشبيهات إلخ، و لكن أيضا بما تحمله من تشابه – بالنسبة إلينا اليوم في المناطق البعيدة عن جزيرة العرب و في المدينة التي نقبلها و ليس لنا عنها من محيد في حروفها و هذه  الحروف المتشابهة هي :

الدال و الذال // الضاد و الظاء  //  التاء و الثاء

هذه الحروف جد متشابهة وتقف عائقا أمام مستعملي اللغة العربية في مجالات الكتابة الإبداعية والبحثية و العلمية. وكثيرا ما يجد الكاتب صعوبة في التفريق بين الدال والذال و بين التاء و الثاء خاصة إذا كانت متتابعة و بين الضاد و الظاء. وقد يضطر الكاتب إلى قراءة وإعادة قراءة الكلمة أكثر من مرة حتى يعرف هل سيزيد نقطة فوق الدال أو رقبة فوق الضاد أو تاء بنقطتين أو ثلاث نقط. هذه الصعوبة تظهر جلية عند قراءتنا للكتاب في الصحافة الإلكترونية وخاصة ردود القراء على المقالات الصحفية. فأحيانا و خاصة في المشرق، نجد القراء المشرقيين لا يفرقون بين حرف الذال و حرف الزي لأن حرف الذال يقرأ أحيانا قريبا من حرف الزي خاصة لدى بعض المجودين للقرآن الكريم. و سأحكي هنا حكاية طريفة تحكى بين صفوف " الإرهابيين " من أنصار بن لادن. تقول الحكاية أن أحد الملتحقين ب " الإرهاب "  في أفغانستان من المغرب، و حتى يتم تكريمه ، دعوه ليؤم بهم الصلاة، و هكذا كان. قام الرجل إماما و شكروه عند الانتهاء و بابتسامة أخبروه أنهم سيعيدون الصلاة لأن صلاتهم باطلة، أي أن صلواتنا نحن في المغرب باطلة إذا تتبعنا ذات المنطق – و السبب يشرح المتطرفون للإرهابي الجديد أنه لم ينطق كلمة " قل أعوذ" كما يجب -  حسب نظرهم -  و ذلك أنهم ينطقونها " قل أعوز ".

هكذا يلتقي المعلقون في المواقع الإخبارية مع المتطرفين في الخلط بين حرفي الذال و الزي و ذلك حتى في قراءتهم للقرآن الكريم.

هذه الحروف المتشابهة تستشكل أيضا حتى على الأكاديميين أنفسهم، فيضيعون مجهودا إضافيا للتأكد من حروف الكلمات هل هي دال أم ذال أو ضاد أم ظاء أو هل هي تاء أم ثاء.  وليس نعتهم بعدم التدقيق أو الجهل أحيانا هو ما سيحل المشكل، بل إن المشكل قائم وسيستمر طالما استمرت اللغة العربية لا تقبل التغيرات التي تقع في محيطها وفي داخلها، وبقيت نقية طاهرة حسب اعتقادهم.

هدفي أن أساهم في مشروع كبير متجدد عند المثقفين العرب مند النهضة العربية في القرن 19، و هو مشروع عصرنة اللغة العربية و تبسيطها حتى تواكب عصرها. لكن هذا المشروع لا يزال يراوح مكانه. وأتمنى أن أساهم في هذا المشروع الضخم وأن يكتب له النجاح