الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

د. جمال المحافظ: رمزية محاكمة أربعة صحفيين دفعة واحدة في 25 يناير ذكرى تأسيس نقابة الصحافة

د. جمال المحافظ: رمزية محاكمة أربعة صحفيين دفعة واحدة في 25 يناير ذكرى تأسيس نقابة الصحافة جمال المحافظ

لا أعلم هل هي محض صدفة، أو من مكر التاريخ، أن يتم تحديد يوم 25 يناير 2018، لبدء محاكمة أربعة صحافيين دفعة واحدة، وهو التاريخ الذى يتزامن مع ميلاد النقابة الوطنية للصحافة المغربية، كان ذلك سنة 1963 من لدن ثلة من الصحافيين من بينهم عبد الرحمان اليوسفي الذى أحيل على القضاء لنشره أن الحكومة مسؤولة أمام الرأي العام، والكبيرين عبد الكريم غلاب وعلي يعتة ومصطفى العلوي عميد الصحفيين المغاربة الذى يأتي في المرتبة الأولى في عدد المحاكمات التي طالت صحفيا مغربيا، وإدريس الفلاح مدير "الأمة الإفريقية" الذى صدر في حقه حكم بعشرة أشهر حبسا نافذا وإعدام جريدته التي كان يصدرها حزب الاستقلال باللغة الفرنسية.

وكان الهدف الرئيسي من تأسيس هذه النقابة المهنية الأولى في عهد بداية الاستقلال، يتمثل في الدفاع عن حرية الصحافة باعتبارها وسيلة لتزويد الرأي العام بالمعلومات واطلاعه وتقريبه من المعطيات والأخبار، وطنيا ودوليا، فضلا عن محاربة صحافة "ماس" الفرنسية الاستعمارية التي سمح لها بمواصلة الصدور إلى غاية الغائها في بداية السبعينات، بعد مواجهة إعلامية وقانونية شرسة قادتها الصحافة الوطنية.

لربما لم تنتبه المحكمة إلى رمزية ودلالة هذا التاريخ، بحكم أن ذلك إما بكونها تجهل تاريخ ومعارك الصحافة والإعلام، وهذه ستكون طامة، أو أنها عارفة ولا تعبأ بالدلالات والمغازي التي يكتسيها تأسيس أول منظمة  للصحافة خلال مرحلة بناء المغرب الجديد.. وهذه إن كانت ستكون طامة أكبر إن لم تأخذ ذلك بعين الاعتبار، في متابعة الصحفيين الأربعة وبرلماني، وذلك بناء على شكاية من مجلس المستشارين .

وإذا كانت نقابة الصحافة، قد عبرت عن استغرابها الشديد للالتجاء مرة أخرى إلى القانون الجنائي في متابعة الصحفيين في قضايا تهم النشر، وأبدت تخوفها من أن يكون الصحفيون المعنيون بهذه المتابعة ضحايا حسابات سياسية بين فرقاء سياسيين، فإن البلاغ الذى أصدرته بدوره لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الدلالة التي يحمله يوم انطلاق المحاكمة التي قررت النقابة، أن تخصصها للاحتجاج، بدل الاحتفال بميلادها في 25 يناير 1963 بالرباط موطن متابعة الصحفيين .

كما أن من الغرابة، أن تتزامن محاكمة الصحفيين الأربعة، مع مصادقة لجنة العدل والتشريع بمجلس المستشارين في بداية الأسبوع على مشروع القانون المتعلق بالحق في الحصول إلى المعلومة، كما تم تعديله من لدن مجلس النواب، حيث عملت اللجنة على إدخال تعديل على النص يتعلق بسرية مداولات اللجن البرلمانية، حظي بإجماع  كافة مكوناتها، لتنضاف هذه الاستثناءات الواردة على هذا الحق.

فالحق في الحصول على المعلومات لا يمكن تقييده إلا بمقتضى القانون بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي والحماية الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة.

فالمجتمع المدني، خاصة منه الحقوقي والإعلامي، كان يأمل في أن تنفتح القراءة الثانية لمجلس المستشارين، على دعواتهم من أجل جعل هذا النص ينحو في اتجاه التنزيل السليم لجوهر الفصل 27 من الدستور، وإدماج المعايير الدولية خاصة ما يهم الاستثناءات الكثيرة المسيجة لهذا النص، في أفق توسيع حرية التعبير اعتبارا للأهمية التي يكتسيها الحق في الحصول على المعلومات في مجال محاربة الفساد، ومراقبة تدبير الشأن العام وضمان الشفافية .

وينص الدستور في المادة 27 منه على أنه "للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العمومية. ولا يمكن تقييد الحق في المعلوم".

وفي الوقت الذى كان يعتقد الرأي العام، أن هذا النوع من متابعات الصحفيين، قد ولى وإلى غير رجعة، مع إلغاء قانون كل ما من شأنه، فإنه من المستغرب مع إقرار دستور 2011، أن يتم اللجوء إلى متابعة الصحفيين عبد الحق بلشكر ومحمد أحداد وكوثر زاكي وعبد الإله سخير، بتهمة نشر معلومات تتعلق بأعمال لجنة تقصى الحقائق حول صندوق التقاعد، على الرغم من قيامهم بواجباتهم المهنية في إطلاع الرأي العام على معلومات ومعطيات عامة سبق أن تم تعميمها مما يسقط عنها طابع السرية التي يمكن أن تهم أعضاء اللجنة، على خلاف الصحفيين الذين من مهامهم الإخبار، مع العلم أن هذه القضية مر عليها وقت طويل قبل تحريكها.

ومن الصدف الغريبة أيضا أن تتقاطع هذه الأحداث مع التحذير الذى أثاره رئيس النيابة العامة في وجه الوكلاء العامين ووكلاء مختلف المحاكم العادية والمختصة والمسؤولين القضائيين على النيابات العامة بمختلف المحاكم، من تلقي التعليمات من أي جهة غير مختصة، سواء كانت هذه التعليمات شفوية أو مكتوبة، وعدم احترام التسلسل الإداري أو إعطاء أي معلومات على ملفات قضائية أو ملفات رائجة أمام المحاكم أو النيابات العامة لأية جهة معنية بهذه الملفات أو غير معنية بها. وطالب في منشور له إخباره فورا في حال وقوع مثل هذه الحالات.

ولاحظ أن بعض المسؤولين القضائيين على النيابات العامة يغادرون أماكن عملهم لحضور اجتماعات أو لقاءات أو المشاركة في لجن أو ندوات بدعوات من جهات أخرى ولأسباب متعددة، دون إشعار رئاسة النيابة العامة بذلك، وهو ما يؤثر على سير العمل جراء تغيبهم عن مكاتبهم من جهة، ويمس بالانضباط التسلسلي لهياكل النيابة العامة من جهة أخرى.

وإذا كان من الطبيعي أن يثير  منشور نقاشا في الأوساط القضائية، حول حدود استقلالية النيابة العامة عن أي جهة، وإشكاليات ما تضمنه بخصوص ضرورة الإذن القبلي لمشاركة مسؤولي النيابة العامة في الندوات والانشطة، في الوقت الذى لا ينص القانون التنظيمي على اشتراط أي إذن، وبالتالي لا يمكن للسلطة القضائية إلا من زاوية تبرير الغياب عن العمل إذا كان النشاط أو الندوة داخله.

إلا أن ذلك يتعارض مع المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن المتعلق بمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذى احتضنته العاصمة الكوبية هافانا سنة 1990، والتي تؤكد على أن  لأعضاء النيابة العامة، شأنهم شأن غيرهم من المواطنين، الحق في حرية التعبير وتشكيل الرابطات والانضمام إليها وعقد الاجتماعات. ويحق لهم، بصفة خاصة، المشاركة في المناقشات العامة الأمور المتصلة بالقانون وإقامة العدل، وتعزيز حقوق الانسان وحمايتها، وكذلك الانضمام إلى منظمات محلية أو وطنية أو دولية أو تشكيلها وحضور اجتماعاتها، دون أن يلحق بهم أي أذى من الوجهة المهنية بسبب عملهم المشروع أو عضويتهم في منظمة مشروعة.

الأمل كل الأمل أن تكون سنة  2018، مرحلة جديدة في مسار حرية الصحافة، وأن لا يكون تواتر هذه الأحداث، مجرد لحظات تقاطعت فيما بينها، ولا تكتسى أي "خطة ممنهجة ومخدومة" من أجل خنق حرية الصحافة والتضييق على حرية التعبير، وهل هذه الخرجات التي من المتوقع أن تكون "تسخينا وتمرينا أوليا" للخروج من قانون الصحافة، بعد تطهيره من العقوبات السالبة للحرية، إلى مقتضيات القانون الجنائي، في القضايا المرتبطة بممارسة مهنة المتاعب في المغرب الذى جاء في الرتبة 133 من أصل 180 دولة، في التصنيف السنوي الذى أصدرته منظمة «مراسلون بلا حدود» الدولية عن حرية الصحافة في العالم لـ 2017 التي شرع خلالها في تطبيق قانون الصحافة، وهي التي اعتبرها أحد الصحافيين بأنها سنة "جر الصحفيين إلى القضاء ومحاكمتهم بفصول القانون الجنائي، مثلما يحاكم المجرمون العتاة وبتهمة نادرة وغريبة: نشر أخبار صحيحة ..".