الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي:هل ستكون 2018 سنة الأمل بفرنسا؟

يوسف لهلالي:هل ستكون 2018 سنة الأمل بفرنسا؟ يوسف لهلالي

هل يعود الامل الى فرنسا سنة 2018 مع وصول رئيس جديد وشاب على رأس الاليزيه، ويطمح الى تطبيق إصلاحات طموح ببلده خاصة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي.وحتى الجرائد الانخلوسكسونية التي كانت لها نظرة سلبية دائما حول فرنسا ونظامها السياسي والاقتصادي أصبحت هي الأخرى تقوم بعناوين إيجابية بل ان احداها اختارت الرئيس الفرنسي رجل السنة،الرئيس الفرنسي في خطابه بمناسبة رأس السنة وعد بمواصلة الإصلاحات الاقتصادية وفتح الورش الاجتماعي وطرح مشروع اجتماعي كبير من اجل المهمشين بفرنسا.

وقد تمكن الرئيس الجديد من تغيير وجه  فرنسا من بلد غارق في اليأس والتشاؤم من المستقبل و ينظر الى الماضي، الى بلد يتوجه نحو المستقبل ويرى العالم بصورة متفائلة وينشره من حوله سواء  في اوربا او باقي العالم، في الظروف التي يعيشها الاتحاد الأوربي الذي أصبح مهددا بالتشرذم والانهيار بعد خروج بريطانيا وتهديد إقليم كاتالانيا بالانسحاب من  اسبانيا وتقدم اليمين المتطرف في بلدان أساسية مثل المانيا،فرنسا،بريطانيا وهولندا والنمسا وعدد اخر من البلدان. هذا التصاعد الشعبوي الذي  يندر بأجواء عقد الثلاثينات من القرن الماضي الذي أدى الى اشتعال الحرب العالمية الثانية والتي كانت اكبر كارثة عاشتها البشرية من خلال العدد الكبير من الضحايا الذي وصل الى عشرات الملايين والدمار الشامل خاصة باوربا.ونجاح رئيس فرنسي جديد دو توجه اوربي واضح وانساني أعاد الامل الى الاوربيين.

ومند وصوله اخذ الرئيس الجديد العديد من المبادرات الدولية منها  تنظيم لقاء  دولي كبير هو" قمة الكوكب الواحد" ردا على قرار واشنطن مغادرة اتفاقية المناخ، ومؤتمر من اجل تمويل "القوة الخماسية" بمنطقة الساحل.  فرنسا اليوم هي على عدة واجهات دولية سواء في الحرب على  الإرهاب  وتشارك في عدة بؤر دولية من اجل القضاء عليه سواء بسوريا،العراق،وبلدان الساحل،ورغم هذا المجهود مازال الإرهاب يستهدف فرنسا واربا لكن هذه السنة كانت تأثيره محدودا على عكس ما حدث في عدد من بلدان العالم خاصة  سوريا والعراق ومصر وتركيا.

فرنسا بنجاح الرئيس الجديد وأغلبيته غيرت وجه السياسة بهذا البلد، ودخلت وجوه جديدة الى البرلمان والحكومة منهم عددا من الشباب من أصول مغربية.

الانتخابات الرئاسية بفرنسا او انتخابات كل المفاجأة

الانتخابات الرئاسية التي شهدتها فرنسا هذه السنة كانت متميزة بالمفاجآت في كل مراحلها من الانتخابات الابتدائية داخل الأحزاب حتى انتخاب الجمعية الوطنية، ووصل الى سدة الحكم رئيس شاب لا يتجاوز 39 سنة وهي سابقة بالجمهورية الخامسة وهو  ايمانيل ماكرون وهو رئيس من خارج الأحزاب الكلاسيكية وحصل على اغلبية في البرلمان الفرنسي من خلال تأسيسه لحركة سياسية تحت اسم الى الامام وتمكنت رغم جدتها من حصد اغلب مقاعد البرلمان بأغلبية مطلقة. وبمناسبة هذه الانتخابات، انهارت الأحزاب  السياسية  الكلاسيكية لتتصدر النتائج  أحزاب وحركات سياسية جديدة او صغرى، لم يكن لها وجود في السابق  . وبالإضافة الى حركة "الجمهورية الى الأمام" هناك حركة يسارية وهي "فرنسا الأبية" لجون لوك ميلونشون التي دخلت هي الأخرى الى البرلمان كما دخل اليمين المتطرف.ولأول مرة في تاريخ الجمهورية يتجاوز عدد النساء بالجمعية الوطنية 40 في المائة، واكثر من نصف البرلمان من الوجوه السياسية الجديدة التي وصلت للبرلمان لأول مرة،ووصول كثيف لأبناء المهاجرين المغاربيين من بينهم 8 نواب من اصل مغربي لأول مرة في تاريخ هذه المؤسسة. وهي انتخابات قلبت الحقل السياسي رأسا على عقب واختفى اغلب ديناصورات السياسة بشكل نهائي.

 دخول متميز لنواب من أصول مغربية الى البرلمان الفرنسي سنة 2017

تميز البرلمان الفرنسي الجديد بدخول مكثف لبرلمانيين شباب من أصول مغربية، والذين وصل عددهم الى 8 ، بالإضافة الى 2برلمانيين من أصول جزائرية، و1واحدة  من اصل تونسي.)هذا الدخول يغير من وجه هذا البرلمان ويجعله يقترب اكثر من تنوع المجتمع الفرنسي، خاصة وصول عدد كبير من النساء.

هذه التغييرات تعكس التحول وسط المجتمع الفرنسي ووسط ابناء المهاجرين والى دور  حركة الرئيس ايمانويل ماكرون" الجمهورية الى الامام" والتي استطاعت ان تؤمن الأغلبية المطلقة بالبرلمان. وهي حركة رشحت عددا من أبناء المغاربيين، خصوصا من المغاربة الذين نجحوا في الوصول الى المؤسسة التشريعية.

الوزير منير المحجوبي (من أصول مغربية): من عالم الانترنيت الى برلماني ووزير بحكومة ايدوارد فيليب.

عندما تم تعيين منير المحجوبي وزيرا منتدبا في القضايا الرقمية بحكومة ايدوارد فيليب الكثير من الفرنسيين والأجانب المتتبعين لم تكن لهم معرفة كبيرة بهذا الشاب دو 33 من عمره والذي يعتبر اصغر عضو بالحكومة. ورغم نشاطه بالحزب الاشتراكي  ودوره في الحملة الانتخابية لكل من سيغولين روايال سنة 2007 وفرنسوا هولند سنة 2012 كمسؤول على الاستراتيجية الرقمية  فان الرأي العام لم يكن يعرفه كثيرا عنه قبل ان يصبح وزيرا ومرشحا منتخبا عن الدائرة 16 بباريس.

التقى ايمانييل ماكرون مع منير المحجوبي بفضل الرئيس السابق فرنسوا هولند،كان منير المحجوبي رئيسا للمجلس الفرنسي لتكنولوجيا الرقمية، وهو المنصب الذي عينه به الرئيس السابق،في 3 فبراير 2016 وهي هيئة استشارية، حينها كان ايمانييل ماكرون وزيرا للاقتصاد في حكومة ايمانييل فالس قبل ان يؤسس في ابريل من سنة 2016 "حركة الى الامام". اما المحجوبي فقد التحق بها في يناير 2017.بعد سنة من المسؤولية بمجلس التكنولوجية الرقمية ليكلفه ايمانييل ماكرون  بالجانب الرقمي في حملته.

استمرار التهديد الارهابي بفرنسا وإحباط العديد من المحاولات بفرنسا وأوربا

مند وصول الرئيس الجديد استمر في سياسة مواجهة الارهاب مع شركائها ، والمشاركة في الجهود الدولية لمواجهته الارهاب سواء بالعراق وسوريا او بمنطقة الساحل حيث اخذت فرنسا على عاتقها البحث عن تمويل دولي للقوة الخماسية بمنطقة الساحل الافريقي. وبالاضافة الى المجهود الدولي  ضد الارهاب تم بفرنسا احباط عدة هجومات منها احباط محاولة الدخول الى متحف اللوفر من طرف مهاجم مصري مسلح بساطور، بايع تنظيم داعش في 3 من فبراير، الذي حاول الاعتداء على دورية عسكرية،دون ان تخلف العملية اية ضحايا. في 20 من ابريل تم هجوم بشارع الشونزيليه اسفر عن مقتل شرطي وإصابة اخرين بعين المكان وقام بها فرنسي من أصول تونسية.في 9 من غشت دهست سيارة جنود فرنسيين في مدينة لوفالوا شمال باريس دون ان تخلف ضحايا،وقام بها مهاجم يحمل أصول جزائرية.

ولكن على العموم، تجنبت فرنسا وقوع هجومات كبيرة كما حدث سنة 2015 و2016  حيث وصل عدد الضحايا الى العشرات، رغم استمرار التهديدات وإجماع المتخصصين على ان القضاء على داعش عسكريا سوف يؤدي الى عودة العديد من المقاتلين وتزايد التهديد.

السياسة الخارجية لفرسا بين المحاور الكلاسيكية والبحث عن القيام بادوار جديدة في غياب وضوح في سياسة واشنطن بالمنطقة

كان خطاب الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون امام سفراء بلده بباريس مناسبة لتحديد الخطوط العريضة لسياسة  الخارجية لفرنسا،وأكد خلال هذا الخطاب استمرار أولوية محاربة الإرهاب،الذي سيكون أولى  أولويات الديبلوماسية الفرنسية،وان القضاء عليه يمر أيضا من خلال تجفيف مصادره،وفيما يخص منطقة الخليج العربي بين ان فرنسا لن تختار بين ايران والسعودية فيما يخص ديبلوماسيتها، و ان قوتها  هي في الحديث الى جميع الأطراف بالمنطقة. لكن بعد الازمة اللبنانية الأخيرة واستقالة الحريري انحازت باريس اكثر الى الرياض ضد طهران.

ملامح هذه السياسية الخارجية في محاورها الكبرى سبق لرئيس الحالي ان عرض بعضها  اثناء الحملة الانتخابية الرئاسية، و قال انه سوف يستعيد دور بلاده  كقوة عظمى بالعالم،خاصة ان ماكرون يعرف ان بلده لا يمكن ان يحقق دوره كقوة سياسية واقتصادية عظمى إلا مع الاتحاد الأوربي وتقويته و إعادة دور  فرنسا داخل الاتحاد.

لهذا كان ماكرون  المرشح الوحيد الذي كان واضحا اثناء الحملة الانتخابية  في دفاعه عن الاتحاد الأوروبي وضرورته بالنسبة لفرنسا وبالنسبة لأوربا، التي لا يمكنها ان تلعب دورها امام باقي القوى الإقليمية دون هذا التكتل الأوربي الذي تعرض لصعوبات في السنوات الأخيرة اخرها خروج بريطانيا.

السياسة الخارجية لفرنسا تبدو انها تسير في الاتجاه الذي سطره معهد مونتيني الذي تجد دراساته وتوصياته صدى في سياسة بلده. القمة المصغرة التي شهدتها باريس حول الهجرة والتي  اجتمعت في غشت الماضي  من اجل حشد الدعم الاوربي لبلدان المرور من تشاد والنيجر وليبيا نحو إيطاليا،ومن اجل اقناع شركائها الافارقة بإنشاء مراكز تدقيق الهوية بهذه البلدان.

فرنسا تنهج سياسة هجروية صارمة مع الرئيس الجديد

فرنسا منذ تحمل الرئيس الجديد لمهامه، اختار عقد قمة مصغرة بشهر غشت الماضي جمعت مسؤولين افارقة وأوربيين من اجل الحد من تدفق الهجرة، هذا اللقاء الذي  شاركت فيه المستشارة الالمانية انجيلا ميركيل وكل من الرئيس التشادي ادريس ديبي والرئيس النيجيري محمدو ايسوفو ورئيس حكومة الاتحاد الوطني الليبية،فايز السراج،ورئيس الحكومة الإيطالية باولو انجيلينو، ورئيس الحكومة الاسبانية ماريانو راخوي،ورئيسة الديبولوماسية الاوربية فيديريكا موغيريني والهدف من هذا اللقاء حسب مصدر من قصر الاليزي هو ابراز الدعم الأوربي لكل من التشاد، النجير وليبيا في مراقبة وتدبير موجات الهجرة التي تمر من بلدانهم،وأضاف ان البلدان الاوربية مند سنوات قدمت العديد من البرامج لمساعدات هذه البلدان ووقعت اتفاقيات هي أحيانا متضاربة من اجل قطع الطريق على الهجرة الغير النظامية،وفي احد القمم التي تمت حول الهجرة بين الاوربيين سنة 2015 وضعت ميزانية من قيمة مليار 800 مليون أورو.

الهجرة عادت من جديد لتحتل الواجهة عبر بوابة المغرب واسبانيا، وهو ما يقتضي من الاوربيين عقد قمة جديدة لمعالجة هذا المحور الجديد عبر المغرب من خلال اتباع مقاربة شاملة كما تطالب بذلك  الرباط  وهي مقاربة تجمع بين الأمني والتنموي، وهي الوحيدة القادرة على حل هذه الظاهرة من خلال برنامج تنمية حقيقي ببلدان الانطلاق والعبور.وجاء في تقرير المعهد حول تقييمه للبلدان المدروسة "إن المغرب يبدو أكثر دول المنطقة استقرارا، مشيرا إلى دور الملكية المحوري في هذا الإطار، معتبرا أن مستقبله واستقراره السياسي مشروط بقدرة عاهله على تحديث اقتصاد البلد وتشجيع توزيع الثروة داخله، وكذا الاستمرار في تطوير النظام السياسي."

اما فوق التراب الفرنسي فان باريس تنهج سياسة صارمة تجاه الهجرة حسب العديد من المنظمات الفرنسية العاملة في هذا المجال،وانتهت بذلك الوعود التي قدمها اثناء الانتخابات الرئاسية حيث أشاد بسياسة الأبواب المفتوحة للمستشارة الألمانية انجيلا مركيل لكن اليوم تراجع عن ذلك وعبر صراحة عن عدم تقديمه وثائق الإقامة للمهاجرين القادمين من بلدان لا يتهددها الخطر، بمعنى نعم للاجئين السياسيين من البلدان التي بها حروب  ولا للهجرة الاقتصادية وهو تحول كبير في سياسته مما جعل هذه السياسة محل نقد حتى داخل الأغلبية الحاكمة.

مشاركة مغربية متميزة بقمة الكوكب الواحد بباريس بحضور جلالة الملك وولي العهد مولاي الحسن

شهدت باريس في شهر ديسمبر حدثا  سياسيا مهما وهو "قمة الكوكب الواحد" التي شارك فيها حول 60 من زعماء العالم من اجل رفع التحديات المناخية والبيئية و إيجاد طرق تمويل جديدة سميت بالمالية الخضراء من اجل مكافحة الاحتباس الحراري.وشارك في هذه القمة صاحب الجلالة محمد السادس رفقة ولي عهده الأمير مولاي الحسن، وبالإضافة الى مجهودات المغرب المتميزة في الطاقات المتجددة والمجهود في الحد من الاحتباس الحراري فان مشاركة ولي العهد هي إشارة الى أشارك الشباب والاهتمام بمستقبل المغرب والكرة الأرضية في هذا المجال.لكن للأسف اختارت بعض البلدان مثل الولايات المتحدة الامريكية ورئيسها ترامب معاكسة هذه الاختيارات وعدم الالتزام بقضايا الحد من الاحتباس الحراري وتزايد التلوث.

مستقبل البشرية كان هو الرهان الاساسي لقمة الكوكب الواحد، والذي دعى اليه الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون وهو يعني ان مسؤولية الكوكب الذي نعيش عليه هي مسؤولية  جماعية والحفاظ عليه هو واجب جماعي لكل دول العالم لتسليم كوكب نظيف وحي للأجيال المقبلة  من خلال تشجيع تكنولوجيا وتمويل اخضر وهو رهان على المستقبل دخلت اليه اغلب بلدان العالم منها المغرب الذي اصبح نموذجا بالقارة السمراء و باعتراف دولي.