السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد المرابط: المخرج السياسي لحراك الريف ضمن استراتيجية النضال الديموقراطي

محمد المرابط: المخرج السياسي لحراك الريف ضمن استراتيجية النضال الديموقراطي محمد المرابط

على إيقاع انقسام جمهوريي حراك الريف بأوروبا تم توديع سنة 2017، إذ تزعم عبد الصادق بوجيبار تنظيم مسيرة بمليلية، الجمعة 29 دجنبر 2017، فيما تزعم بلال عزوز ويوبا الغديوي في اليوم الموالي، تنظيم وقفة بقرب الإقامة الملكية بـ Betz. وهي الوقفة الثانية لجمهوريي الريف بنفس المكان، والمملاة فكرتها مما يسمى بالجمهوريين المغاربة.

والملاحظ أن هذا الانقسام الحاد تزامن مع رسالة وحدة صف ريفيي المهجر التي حملها الزفزافي الأب في جولته الأوروبية، خلال الأسبوع الثاني من شهر دجنبر2017. وفي سياق هذا الانقسام كان تهجم بلال عزوز على منظمي مسيرة مليلية واتهامه لهم بالخيانة، عقب اتهامه من طرف أحد نشطاء الحراك في الحسيمة، واللاجئ في مليلية، بخيانة ناصر الزفزافي، والعمالة للمخابرات. وكانت في المقابل حملة بوجيبار ضد يوبا وبلال.

وتستوقفنا في مشهد هذا الانقسام خريطة المواقف التالية:

1- اعتبر يوبا الغديوي بالرغم من الالتزام بالمطالب الحقوقية للحراك، أنه لن يتوقف عن الاحتجاج إلا بإنهاء "الاحتلال" العلوي للريف. وحتى رفيقه بلال لم يتوقف بالرغم من هذا الالتزام، عن المس بالملك/ أمير المؤمنين، كما ان نوفل المتوكل لم يتوقف عن المطالبة بإسقاط الملكية. ولا شك أن هذا يزيد من تعقيد ملف المعتقلين بالنظر إلى حرص بلال على تسويق مستوى معين من علاقته بناصر الزفزافي وأبيه لإضفاء المشروعية على قيادته لحراك أوروبا، وبالنظر أيضا إلى رفض الزفزافي لحد الآن التبرؤ من جمهوريي الخارج. وبهذا تكون جولة الزفزافي الأب الأوروبية، بصرف النظر عن تقاطباتها، قد خدمت في العمق أفقا مغايرا لمصلحة معتقلي الحراك.

2- واعتبر الناشط الحقوقي سعيد العمراني، وفيما يشبه الرد على يوبا والمتوكل، أنه ﻻ يمكن المزايدة على أي حل يوافق عليه الزفزافي والمجاوي وجلول. لكن ما يثير الاستغراب هو مشاركته -كديموقراطي- في وقفة بيتز، وهو يجاري موجة استفزاز الجمهوريين للملك، التي لن تخدم بالمرة أفق قضية المعتقلين. لكن ما هو ملاحظ انه مارس الرقابة على هذه الوقفة في "أصوات مهاجرة".

3- المستوى الثالث في هذه الخريطة، هو محاولات لم شتات التشرذم الريفي بالمجهر. فقد دعا محمد أكريم من لجنة فرانكفورت لدعم الحراك -من أجل خارطة طريق للمستقبل- إلى لقاء أوروبي لجميع اللجن والتنسيقيات والفعاليات، لتقييم موضوعي لحراك أوروبا، ولتجاوز حالة الإسفاف فيه. وكان سعيد العمراني قد سبقه إلى الدعوة إلى يوم دراسي في هذا الشأن، وحتى بوجيبار دعا بدوره إلى اجتماع للتقييم، حيث طالب ببناء حراك للجميع، بعيدا عن الشخصنة، مؤكدا أن الحراك لم يعد مباركا ومقدسا، إذ ليس هناك ما هو مقدس أكثر من الحرية وحقوق الإنسان. وانتقد عياشة الحراك الذين يقولون عاش بلال وعاش يوبا، واتهمهما باستغلال الحراك والاستفراد به. أما بلال، فقد اعتذر عن كل التخوينات التي صدرت منه في حق الآخرين، لتيسير مهمة المصالحة/ الوحدة، فيما يظهر، وقد اشتد عليه الخناق.

إذن هناك حالة من "الانقسامية" في صفوف جمهوريي الحراك، يحاول بعض الديموقراطيين تجاوزها للتخلص من موجة التخوين التي تخيم على فضاء حراك أوروبا. لكن على نضال ديموقراطيي الخارج، حتى لا تزل الأقدام، أن يكون موصولا ببوصلة استراتيجية النضال الديموقراطي بالداخل.

وتحيلنا هذه الانقسامية على المشهد الداخلي للحراك، حيث هناك مستجد وضع المعتقلين في الزنازن الانفرادية، وهناك علاقة التوتر بين هيأة الدفاع وهيأة المحكمة، وهناك فيما يبدو انفلات ملف الحراك من"رقابة" المجلس الوطني لحقوق الانسان.

وفي ظل هذا الوضع، ما زال هناك أمل على نخبة الريف، في معانقة أفق محطة  فاتح السنة الأمازيغية بالحسيمة، لصياغة مفردات الحل السياسي لملف الحراك. وهناك أمل في التفاعل الإيجابي للمعتقلين وعائلاتهم مع هذه المحطة الواعدة. ولا ننسى طبعا، أمل استجابة الملك، لنداءات مواطنيه الريفيين؛ من جيل المؤرخ علي الإدريسي، وعائشة الخطابي كريمة مولاي موحند، إلى جيل عبد الوهاب تدموري، إلى جيل سفيان الحتاش. فالمغرب فيما أعتقد بصدد صياغة كيمياء جديدة للتعاقد الوطني. وأعتقد أن الملك ما دام لم يغضب لشخصه، بالرغم من استهدافه المباشر من طرف الجمهوريين، وما دام منشغلا بتشخيص عمق أعطاب سيرنا الجماعي، وقد جاءت احتجاجات جرادة لتؤكد سلامة حدوسه السياسية، بشأن فشل النموذج التنموي القائم، فإن كل هذه المؤشرات، تعد حافزا للنخب الوطنية على مزيد الاجتهاد لترسيخ مقومات الإصلاح السياسي والديني في البلاد. وفي ظل هذا الورش الوطني للاصلاح، على نخبة الريف الانخراط في صياغة الحل السياسي لملف الحراك، بما يضمن العفو الشامل عن المعتقلين، وحتى عن انفصاليي وجمهوريي الخارج، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية في الريف.

فقط تعترض هذه الجبهة عقلية مخزنية متحجرة، ما زالت تصر على أن تبقى الدولة دولة الإكراه، لا دولة الرعاية. وبهذا التوصيف تكون الدولة عندنا وهي كيان سياسي، لا تجيد لغة السياسة. فكم يبدو مع هذا العي السياسي، مسلسل دمقرطة الدولة طويلا، ومع ذلك لنا الحق في الحلم!