الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: ذكر، إنما الذكرى تنفع المؤمنين بالنفس الحقوقي

مصطفى المنوزي: ذكر، إنما الذكرى تنفع المؤمنين بالنفس الحقوقي

حقيقة، لقد تعلمت ألا أقذف في المسؤولين، ليس خوفا وإنما تقديرا لهشاشة الأرضية التي نمشي عليها جميعنا، وسلاحي الوحيد هو قول الحق وأنا واع بأن صكوك الاتهام جاهزة في ثلاجة القائمين علي المجال، وسوف أتابع باعتناقي ديانة لا علاقة لي بها وأجهلها أصلا، هو ذاك ثمن «المغامرة».

ففي عشية انعقاد المؤتمر الوطني الثالث لمنتدى الحقيقة والإنصاف، وقبل انطلاق فعاليات الجلسة الافتتاحية، صرحت لإحدى القنوات الأجنبية، بصفتي كاتبا عاما للمنتدى، أي قبل تحلي المسؤولية وانتخابي رئيسا له، بأننا في المنتدى ورثنا مع الملك محمد السادس تركة ثقيلة وصعبة، لكن لحسن الحظ أن الفقيد بنزكري غامر وخفف من عبء الإرث التاريخي، بإصداره وزملائه في هيأة الإنصاف والمصالحة توصيات صادق عليها الملك وأمر بتنفيذها، وتحملنا في المكتب التنفيذي مسؤولية التفعيل.. لذلك فأنا أسائل الملك في هذا الصدد في نفس السياق، وفي أول مسيرة وطنية قبل الحراك الفبرايري، أكدنا على أنه لا تهمنا وعود الحكومات المتعاقبة مادام الملك هو مخاطبنا الحقيقي في هذه القضايا العالقة.. وكذلك فعلنا بعد خطاب تاسع مارس القاضي بدسترة التوصيات، واعتبرنا أن الحكومة الحالية يرأسها حزب لم يتصالح بعد، كونيا، مع حقوق الانسان، وستظل علاقته مع الشق السياسي من التوصيات علاقة متوترة، والتاريخ يشهد بأنني قدمت استقالتي في 26 اكتوبر 2011، وأن كان السبب المباشر المعتمد هو اغتيال كمال الحساني. أما السبب الجوهري فكان احتجاجا على التحضير الخفي والإعداد الضمني للاحتفال بفوز أحزاب لا علاقة لها بالسياق الفبرايري. وقد طالبنا بتشكيل حكومة وطنية ائتلافية تسهر على تفعيل زبدة ما بلغه المغرب من تململات على علتها، بحكم أن نمط الاقتراع لا يسمح بالحصول على أغلبية مريحة لتشكيل حكومة قوية سياسيا..

ورغم أن اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب أوصت عبر تقريرها، الحكومة المغربية، في نفس يوم اقتراع الانتخابات التشريعية، أي 25 نونبر 2011، باستكمال تنفيذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، خاصة تلك المتعلقة بجبر ضرر ضحايا الانتهاكات الجسيمة والحرص على العلاج وتخصيص اعتمادات خاصة في الميزانية العامة، حتى في حالة تفاقم الضرر لاحقا.. لكن التجاوب لم يكن في المستوى، فقد تم اعتبار أن الملف لا يشكل أولوية، تلته مصادقة مجلس الحكومة، ثم مجلس الوزراء على قانون حصانة العسكريين، قبل المصادقة على القانون الذي يحدد ما للملك للملك وما لرئيس الحكومة له.. وقد أريد بذلك أن تتم شرعنة افلات الجلادين المفترضين من العقاب عما اقترفوه خلال سنوات الرصاص وعما سيقترفوه مستقبلا.. وكنا على يقين أن نضالنا وحده لم يكف لصد هذه المقتضيات «الغفرانية». كنا متأكدين بأن هناك عقل حكيم مجهول الهوية دعم إلغاء المادة السابعة، مقابل الإبقاء على المادة السادسة التي تمنع العسكريين الإدلاء بما يفيد حقيقة الانتهاكات الجسيمة، اعتبرناه نصف حل مقبول ما دمنا لم نفاوض مباشرة، على أمل النضال مستقبلا من أجل إلغاء المادة السادسة.. ويبدو أن ما جرى عشية الاستفتاء على الدستور لن يتكرر، لأن تمكين اليمين المحافظ من حذف مقتضيات «مدنية الدولة» من الدستور، وكذلك لن يتكرر ارتخاء الديمقراطيين والتقدميين، ولن تتكرر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، إذا اعتنقنا جميعا ثقافة اليقظة ومقاومة انهيار فكر التقدم من خلال تكرار صحوة نفس العقل الحكيم الذي حال دون فسخ التسوية السياسية التي كانت ثمرتها توصيات هيأة الانصاف والمصالحة.. لأنه إذا كان الدستور هو جسد الوطن التشريعي، فإن المنظومة الجنائية بشقيها المسطري والموضوعي هي ضابط إيقاع نبض قلب الوطن.. لذلك فنحن في حاجة إلى قوانين تحصن حقوق الإنسان وحرياته ومواطنته وتحفظ قوة الدولة والمجتمع قبل حماية النظام، بخلفيات حقوقية كونية، وأخلاقية إن اقتضى الحال، هدفها في هذا الجانب الأخلاقي مراعاة المشاعر المجتمعية بالمعنى الإتيقي، لكن دون أن تكون موغلة في الاغتراف من الوعاء الديني مادامت الهندسة العامة وضعية، ولا تتعارض مع نزوع البلاد نحو دولة الحقوق والقانون..

فماذا عسانا نفعل وتشكيلة مجلس النواب ينتاب مكوناتها التردد والارتباك والتيه، فهي مخيرة بين استحضار انخراط بلادنا في المنظومة الكونية لحقوق الانسان، وبين الالتزام بما يقتضيه التضامن الحكومي أو المذهبي.. لذلك يبدو أنه يفترض أن الحوار وطني، مجتمعي، وبالتالي سيادي، لن تنفع معه الشطحات الحزبية، مما يقتضي البحث عن توافق يحفظ التوازن بين حقوق الدولة من جهة وحقوق وحريات المغاربة، باعتبار أن الوطن والمواطنين، في آخر التحليل، هما مقومات وأسس دولة الحق والمؤسسات.