الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

حسن برما: دواب وردية تمنع الفرح

حسن برما: دواب وردية تمنع الفرح حسن برما
تاريخيا، اعتاد فقيه الدوار على عيشة الأعيان والأغنياء رغم أنه لا يزرع ولا يحصد ولا يتعب مكتفيا بسلطة المعرفة الصدئة وسط قطيع جاهل يعود إليه في جميع القضايا المرتبطة بالواقع المعيش وبالاستيهامات المتناسلة ، وعلى طول تاريخ الانحطاط والتخلف ظل الفقيه مركز التوجيه يفرض رؤى معينة تخدم مكانته داخل العشيرة وتحافظ على مكتسباته وجشعه المغلف بعنعنات وأقوال وتهديدات.

وإذا حدث للفقيه المتواطئ عادة مع حكام الطغيان والجور ووجد نفسه في مواجهة عاقلة لسلطته الانتهازية وتدخله الغبي في مختلف مناحي الحياة فإنه يلجأ بسرعة إلى وصفة التكفير والتحريض والتهييج والاختفاء وراء يافطة الدفاع عن المقدس ، يسمسر في الدين ، يشعل الحروب ، يتصنع الفتن كي يجد موطئ قدم يسمح له بالتدجين والتضبيع والاستغباء ، لذلك نجد حربه دائمة أبدية ضد كل جديد يفضح مكره المغلف بنوايا مصاصي دماء الشعوب.

لنتذكر جيدا عدد الحروب التي أشعلها فقيه الدوار كي يصد رياح التجديد والتغيير المطالبة بالديمقراطية والحرية والكرامة ورفض وصاية غربان الظلام على العقول المتحررة من إرث قرون الفتنة الكبرى وفقه القتل والاقتتال ، ولنتذكر سنده الدائم بعيدا عن منابر الخطابة والسجع المحايد واعتبار كل بدعة ضلالة.

ورغما عن فخاخه المسمومة وشباكه المثقوبة تهزمه أمواج التجاوز ، يحتمي بمبدأ التقية والمهادنة وخنوع الثعالب في انتظار الفرصة المناسبة كي يظهر للجميع أن سلطته الفقهية تخول له التدخل في تفكير وأحلام القطيع ، وبذكاء متجذر في طبائع ذئاب الماضي الميت ، ينطلق من قضايا صغيرة ، لا يتوانى عن جر البساط من تحت الفكر العقلاني ، يمهد الطريق لهيمنة تفسيراته الخرافية الموغلة في التهديد والترويع والوعد والوعيد.

أدخل فقيه الشؤم سلالته للمحراب الجامعي بمبرر أنشطة ثقافية موازية ومحاضرات يشرف عليها سدنة التمييع وتؤطرها كتاكيته المتوحشة ، ودون حياء ، جلست فوق كراسي العلم والمعرفة الحقة أسماء مساعدة على القذف ومداويخ المص والعض ، وصار المهرج الدجال صاحب الشهادة الابتدائية يحاضر أمام المهندسين والأطباء والخبراء دون أن يرمش له جفن. الدافع إلى هذا التذكير هو تفكير فقيه الدوار الأبله وتوَهُّمه الحفاظ على سلامة اللغة العربية ، وقبل ذلك فكر في تشغيل دواب وردية خاصة تحمي الجنس اللطيف من التحرش ، ومنطقه المعتاد هو إذا صعب عليك إقناع المواطنين وفرض أفكارك وفقهك المتجاوز فيما يخص الاختيارات الكبرى ، فالجأ للجزئيات وانطلق منها ، ألم يقل القول المأثور نقطية بنقطة يحمل الواد الذي سيغرقنا في التفاهات وصغار الأمور !

ومن علامات بلادة الفقيه الظلامي أنه لا يتعب ولا يمل من تكرار مواقفه وأحكامه والكذب على نفسه أولا وقطيعه ثانيا ، كلما اقتربت السنة من نهايتها وراجت بين الناس عدوى الاحتفال برأس العام القادم إلا وخرج من جحره وصرخ في الناس أن التشبث بعادات الكفار والاقتداء بهم حرام يقود لنار جهنم.

سنويا يكرر نفس الصراخ واللغط وفي قرارة نفسه يعرف أنه كاذب محتال وأن الكثيرين والكثيرات لن يهتموا بلغوه الأحمق ، سيحتفلون برأس السنة وسيمنحون لهم ولأحبتهم وقتا من الفرح ما داموا يعشقون الحياة ، والغراب المشؤوم المهووس بفقه القبر والقضيب المعطوب يخاف زوال سلطته الوهمية ومكانته المزعومة ، ينبح ويحذر ويصرخ ويتوعد ليؤكد لنفسه ولعميانه أن الحاجة ما زالت قائمة له وللشيخ العالم العارف بكل شئ ، وعليه .. لا تهتموا بالفقيه الظلامي وتحريمه للاحتفال برأس السنة، الكلام عنه دعاية مجانية له ولخرافياته الحقيرة !

يشاع عن جوع فقيه الدوار ونهمه الخرافي الكثير من الحكايات المثيرة للسخرية والشفقة في الآن حيث إذا أعطيته جزء / طرفا من الخبز سرق منك كل الخبزة بكاملها مع تخراج العينين وسيل من الأدعية الساذجة المسجوعة بغباء يعتقد أن تصفيف الكلمات وفق إيقاع صبياني وأسلوب ركيك يمنحها قوة غيبية تحقق ما سَهُل من المطالب وما صَعُب.

في عشيرتنا .. كل قرارات ذئاب الافتراس الفاسدة صالحة لتجهيل الناس وسرقة ما في جيوب المواطنين .. أحيانا تكون المطية لغة محملة بجميع توابل التقديس غير المبرر والمس بها جريمة .. قانون عبقري لا يمكن أن يصدر سوى عن دواحش كلام ميت يجهلون أن اللغة كائن حي وشجرة حياة ، وغربان تخطط للركوب على العربية وتدعي الحفاظ عليها ، و" سيروا حافظوا غير على وضوئكم بَعْدَا! " ، للغتنا أقلام عنيدة تحميها ، والحقيقة ألَّا فرق ولا صراع بين العربية والدارجة الأميرة ، يتصنع حربا لن تكون سوى في جماجم عشيرة الكهف الوهابي الحقيرة !

طبعا هو لا يطرح سؤال هل يحق لمن يجهل اللسانيات وفقه اللغة والسميائيات والإبداع الفني أن يقترح قانونا للحفاظ على سلامة لغوية مزعومة مستحيلة؟!

والنتيجة، عقل فقيه الدوار مضطرب، من الإيمان المزروب، إلى الفتنة الأبدية، إلى فقه الغباء والاقتتال، وحتى شهوره لا تستقر على فصل، وبالتالي لا فصول في تقويمه، يرى الربيع في غير شهوره، والصيف يتيه مع صدفة الخريف، فصل وحيد أوحد مؤسس على تخمينات حاقدة.