الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

ف.الزهراء علام: الحاجة إلى الإرادة السياسية لتفعيل توصيات مجلس جطو حول الوظيفة العمومية

ف.الزهراء علام: الحاجة إلى الإرادة السياسية لتفعيل توصيات مجلس جطو حول الوظيفة العمومية فاطمة الزهراء علام

 

            تحتاج الإدارة المغربية إلى تشخيص حقيقي وخطة فعالة وقابلة للقياس، حتى تتمكن من معالجة مشكلات الواقع الاجتماعي وتحقيق الإقلاع التنموي الاقتصادي، وهو ما حاول المجلس الأعلى للحسابات الوقوف عليه في التقرير الخاص بنظام الوظيفة العمومية، الصادر في أكتوبر 2017. وذلك من خلال تقديم معطيات رقمية لنظام الوظيفة العمومية، وحصيلة لأهم مبادرات الإصلاح فـي هذا المجال، منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي، كما قدم تشخيصا لأهم الجوانب المتعلقة بالوظيفة العمومية، على مستوى بعض القطاعات الوزارية. وقدم في الأخير مجموعة من التوصيات، من أجل تمكين السلطات العمومية من بلورة الإصلاحات اللازمة قصد تجاوز مختلف الإختلالات التي تم الوقوف عليها.

فبالنسبة للمعطيات الرقمية حول الوظيفة العمومية أبانت هذه الأرقام عن تباين واضح في التوزيع الجغرافي للموظفين، وكذا في تموقعهم داخل الإدارات، الأمر الذي ينعكس سلبا على التوازن التنموي الجهوي لمختلف الجهات، حيث يظل عدد الموظفين، على مستوى إدارات الدولة والجماعات الترابية، غير مرتفع بالنسبة للعدد الإجمالي للسكان، وهذا لاشك سيؤثر على التنزيل الصحيح لمشروع الجهوية الموسعة، وتحقيق التوازن التنموي الجهوي بين مختلف الجهات، وكذا على تحقيق جودة الأداء المرفقي؟

وقد حصر التقرير أبرز الصعوبات التي تحول دون تحقيق التحديث المخطط له في : ارتفاع كتلة الأجور، وضعف جل البرامج الإصلاحية المعتمدة، خاصة على مستوى تطوير الموارد البشرية . إلا أن أهم نقطة يرى التقرير أنها تفضي إلى ضعف حركية مختلف البرامج الإصلاحية، خاصة على مستوى الوظيفة العمومية، هي التجزيء في تنفيذها،  فمن ميثاق حسن التدبير لسنة 1998، إلى طرح المفهوم الجديد للسلطة سنة 1999، فمخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية 2000/2004، ومناظرة الرباط سنة 2002 الرامية لتحديد تحديات الإدارة في أفق 2010، وما أعقب ذلك من برامج إصلاحية، ظلت كلها بعيدة كل البعد عن تحقيق متطلبات الجودة والفعالية المستدامتين . فالنظام الأساسي للوظيفة العمومية لم يعرف أي تغيير جوهري، منذ تاريخ اعتماده سنة 1958، باستثناء بعض التدابير الجزئية، كالقانون رقم 50.05 المتعلق بتعميم المباراة كوسيلة وحيدة للتوظيف، وحركية الموظفين، واعتماد التعاقد في الإدارة العمومية.

وهناك بعض التدابير التي عرفت  تأخرا في الإنجاز، فحسب التقرير تم التنصيص على إحداث المجلس الأعلى للوظيفة العمومية منذ 1958، في الفصل العاشر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، إلا أن هذا المجلس لم ير النور إلا سنة 2002، الأمر نفسه ينطبق على التدابير المنصوص عليها في المرسوم عدد 02.05.1369 المتعلق بتنظيم الوزارات واللاتمركز الإداري، التي لم تتم أجرأتها رغم مرور أكثر من 12 سنة على صدورها . هذا بالإضافة إلى هيمنة التدبير التقليدي للموارد البشرية، وشبه غياب للتكوين المستمر، وغياب تام لثقافة تقييم جودة الخدمات العمومية، ونقص حاد في استغلال المشاريع المنجزة بغاية تبسيط المساطر الإدارية.... كل هذه الاختلالات جعلت من مختلف الإصلاحات، التي اندرجت في إطار برنامج دعم إصلاح الإدارة العمومية،  بدون أي أثر على مستوى تحسين جودة الأداء العمومي، الأمر الذي نتج عنه ضعف في جودة الخدمات،  بالرغم من أهمية الوسائل والميزانيات التي تم رصدها لهذه البرامج الإصلاحية.

هذا الوضع دفع المجلس الأعلى للحسابات إلى اقتراح مجموعة من التوصيات والسبل، لإصلاح فعال أساسه خدمة المواطن بالدرجة الأولى، يرتكز على مبدأي الشفافية والنزاهة في الأداء، وإجراء تقييمات دورية لجودة الخدمات العمومية، ووضع آليات لمساءلة الإدارات والموظفين بشأن شكاوى المرتفقين . وحتى تؤتي هاته التدابير أكلها يجب تحديث نظام الوظيفة العمومية، بتحويل سلطة اتخاذ القرارات المرتبطة بالإجراءات العادية، في مجال تدبير الموارد البشرية، إلى المستوى اللاتمركز على مستوى جميع الإدارات، مع تزويد المصالح الخارجية بالموارد البشرية الكافية، على أساس تحديد جد دقيق للمهام المنوطة بها، وربط الترقية والتحفيز المالي بالاستحقاق، مع ضرورة إعادة هيكلة الوظيفة العمومية الترابية وملامتها مع حاجيات الإدارة المحلية.

على أن جل هذه التوصيات والاقتراحات ستظل، كمختلف التشخيصات والمخططات، حبرا على ورق، وشعارات يرفعها السياسي ويتمناها المواطن ويدرسها الأكاديمي، ما لم يتم ربطها بإرادة سياسية قوية لتفعيلها.