الجمعة 10 مايو 2024
كتاب الرأي

حسن برما: تحصيل حاصل

حسن برما: تحصيل حاصل حسن برما

 

نهاية سبعينيات القرن الماضي استفحل عداء أحرار العالم اتجاه أمريكا الطاعون بسبب سياستها المتوحشة ومساندتها اللامشروطة لربيبتها اللقيطة إسرائيل، وفي مختبرات التحكم في الرأي العام قرروا تجهيل أجيال المستقبل وقتل الحس النقدي المتمرد بتعويض دروس الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع وأغلب العلوم الإنسانية الحداثية بشعب متجاوزة تنشر فقه الخرافة والنصب والخنوع.

حاصروا الوعي الشقي، شجعوا الحياد السلبي، خلقوا عداوات مجانية بين أبناء الوطن الواحد، استقوى الإخوان المسلمون، ظهر الطالبان والقاعدة وداعش وبوكو حرام، ساد فقه القتل والاقتتال، ضاعت فلسطين في الطريق.. وبقية القصة نعيش تفاصيلها الآن.

أوهم أصحاب المال فقهاء الظلام بسلطة مزعومة وحرضوهم كي يغتالوا ما يشاؤون من رموز التمرد ليستفردوا بالقطيع المهادن، سكتوا على احتلال ذئاب الصقيع الملتحية لكراسي الجامعات المتحكم فيها بأزرار الافتراس وقتلوا واقعيا ورمزيا طيور الوعي الشقي الأحرار.

لذلك لا غرابة، في زمننا المقيت، بمستوى الثالثة إعدادي وحفظ بعض الآيات والأحاديث وتعلم تقنيات الخطابة والصهيل والصراخ تصير مهرجا حلايقيا أو فقيها عالماً تحاضر بالكليات وتملأ المدرج بجمهور واسع يعشق خرافياتك، والنتيجة المدروسة، اعتبروا الحرم الجامعي غنيمة لهم، وأشباه الطلاب يتحلقون حول الفقيه الدجال ويتلقون الخزعبلات بالحماس والفولار !!!

هيمن الغربان الملتحون على أغلب المرافق، أفقدوا الجامعات هيبتها المفترضة، أوجدوا مقالب خبيثة للاستقطاب واستضافة رموز عهرهم "الفكري"، أفرغوا جماجم طلاب الشعب العلمية، قتلوا حسهم النقدي، ونجح هجوم فقه النكاح والأدعية المسجوعة على مؤسسات التعليم العالي المستباح.

من الماء إلى الماء، درَّسوا في الكليات علاج الأمراض بالرقية وبول البعير، وفي قنوات الصرف الصحي دمروا الذوق الفني بجيني بالسرفيت والكاسكيط، ومن تمظهرات هذا التكوين الموبوء تمثيلا لا حصرا، صرت تدخل العيادة بنية الشفاء من عطب متوقع، تتجاوز باب المكتب الأنيق، تجد الطبيب الدكتور متكوما خلف مكتب منظم، تقرأ فوق ظهره يافطة بخط جميل "الشافي هو الله"، تعتذر وتخرج، تقصد عطارة الفقيه العبدي ولد الحرام، وتقرأ على بابها لوحة رخامية تؤكد قدرة العالم العلامة على معالجة كل الأمراض.

ولا حدود لجشع الغربان، يطلب خطباء الطاعة والخنوع توقير العلماء، وأوصياء الدجل والخرافة والانتهازية يتطاولون على كل العلوم والمجالات وبسببهم غدوت ترى الحق مهزوما والضمير خائبا والحب عابر سبيل والخيانة منهجا والانبطاح سيرة، انسحب المثقفون في صمت، استسلموا للهزيمة، وفتحت الكليات لاحتضان فقهاء التهريج وأمية البرلمانيين تسخر من موتنا المشاع.

وبناءً على ما سبق، سنمضي بالكثير من "التفاؤل" للأسوأ ونجد الطريق كالعادة سالكة عمْداً أمام الانتهازيين والفيدورات وأشباه المثقفين وفقهاء التدجين والإلهاء ودُمَى الوهم والإدعاء.

لكننا، رغم كل الهيبات نأتي من الأخير ونقول.. لبوم النواح منابرهم الخاصة وهيمنتهم المهووسة بتبنيج الأدمغة والنصب والتدليس على كل مناحي الحياة.. ولخطاب العقل المفترض محرابه الرصين، لسماسرة الدين وأوصياء الخرافة وحملة الأوهام ظلال أعمدة الأسوار وأفواه المقابر المشرعة .. ولمفكري الحرية والكرامة والعدالة كراسيهم المبجلة !!!