الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

تدموري عبد الوهاب: ارتسامات في شان واقع الحراك بالداخل والخارج ووقعه على النخب الديمقراطية الريفية والشمالية

تدموري عبد الوهاب: ارتسامات في شان واقع الحراك بالداخل والخارج ووقعه على النخب الديمقراطية الريفية والشمالية تدمري عبد الوهاب

 ماذا تبقي من الحراك الشعبي بالمغرب بعد كل هذه التضحيات التي من آثارها المئات من المعتقلين بما فيهم أطفال قاصرين  وشهيد واحد علي الأقل وحصار امني خانق علي المنطقة باسرها؟ وما هي تداعياته علي النخب الفكرية والسياسية  المنحدرة من الريف او غيرها؟ وهل يمكن اعتبار ما نشاهده من تحركات ومبادرات نضالية  مساندة للحراك علي المستوي الأوروبي، يمكن ان تشكل بديلا عن حراك الداخل، رغم ايجابياتها ورغم ما تتسم به من تخوينات وتخوينات مضادة، واحتقار الكثير من نشطائها لنضالات الداخل؟.

إنها فقط  بعض الأسئلة التي بدا لي ضرورة طرحها حتى نزيل بعض اللبس الذي يبدو ان الحراك قد طبع به عقلية شبابنا منذ انطلاقته، ولا زالت تداعياته تؤثر في وعينا الجمعي  سواء بالداخل او الخارج .انه الوعي القائم علي رفض الأخر وتبخيس مجهوداته وتخوين مبادراته حتى وان كانت تصب في مصلحة الريف وكل الوطن .إنه الوعي الذي وان بدا اقصائيات متخما بالاعتزاز والإحساس بالانتماء إلي الريف وبكل ما راكمته المنطقة من نضالات وتضحيات علي امتداد  قرن من الزمن، الا انه  كان، ورغم كل ما عبرنا عنه، في حينه من اختلاف وانتقاد  لهذا النوع من الوعي والتحذير من تداعياته اللاحقة التي يمكن أن تكون مدمرة للحراك ذاته وللمنطقة بشكل عام، إلا انه كان منسجما مع ذاته خاصة في مرحلة  عنفوان الحراك، عندما كانت الدولة مترقبة ولم تلجأ بعد إلى أساليب بطشها المعهودة بالشكل الذي أعطي لنشطاء الحراك المزيد من الثقة في النفس. وبدل إحداث مراجعات عميقة في شكل ومضمون خطابها والعمل علي الاستفادة من التجارب السابقة ومن خيرة الأطر الريفية الشريفة المناضلة من أجل إعادة تقويم الوعي الجمعي وتوجيهه بشكل سليم نحقق من خلاله بعض المكتسبات ونحافظ علي خيرة شبابنا من اجل معارك قادمة ايمانا منا بان المعركة من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة هو نضال شاق وطويل ولا يحسم في معركة واحدة.

بل عمدت إلى التصعيد في خطاباتها ليس فقط إزاء الدولة،  بل إزاء كل ما هو منظم حتي وان كان صديقا أو حليفا محتملا وممكنا خاصة وأن طبيعة مطالبها تتطلب إشراك كل شرفاء الريف والوطن وان مواجهة اللوبي المخزني يتطلب جبهة عريضة من الحلفاء والأصدقاء.

أقول قولي هذا، وأنا متيقن من ان نشطاء الحراك كانوا منقسمين في وجدانهم بين الإنصات  لمناضلي الداخل او لبعض نشطاء الخارج الذين لعبوا ولازالوا ا دورا سلبية بهدف تسميم العلاقات بين المناضلين الديمقراطيين أنفسهم وبينهم وبين بعض قادة الحراك  وتخوين الكثير من شرفاء الريف والوطن.

لكن الآن ماذا تبقي من هذا الخطاب القائم علي تخوين الأخر ونبخيس كل فعل منظم بعد ان خفت إشعاع الحراك وتمت محاصرة المنطقة واعتقلت مجمل قياداته التي أصبحت تحت رحمة الدكاكين السياسية والجمعوية ابتداء من هيئة الدفاع  ولجان الاستقبال بالدار البيضاء ولجان التضامن وكل المبادرات النضالية التي تهدف إلى المطالبة باطلاق سراح المعتقلين  الخ التي تتشكل أو تنتمي أو ينتمي أعضاؤها  لأحزاب وجمعيات.

ألم يحن الوقت بعد لتصحيح وتقويم هذا الخطاب الذي يبدوا خارجا عن السياق ومتناقضا مع ذاته حتى لا نكون بصدد تكريس وعي ليس فقط انفعاليا بفعل الاعتزاز بالذات إلي حد التخمة بل وعيا مشوها متناقضا الي حد الانفصام.

كما أنني لابد وان أشير إلي أن نشطاء الحراك رغم صدقهم و حماستهم كانت تنقصهم التجربة والوعي السياسي اللازمين لتأطير وتوجيه حراك من هذا الحجم حتى يحقق أهدافه المعلنة إلا أن تمادي البعض منهم في معاداة الجميع ونكرس خطاب عدائي واقصائي في حق من يفترض منهم أن يكونوا سندا للحراك ما كان ليتم  لولا ترهل العلاقات النضالية بين النخب الديمقراطية  الريفية في ما بينها بصفة خاصة والوطنية بصفة عامة بالشكل الذي سهل من عملية استئثار هذا النوع من الخطاب على الحراك الذي كان ولا يزال وقعه مدمرا علي النخب الديموقراطية الريفية أكثر من بطش وحصلر الدولة المخزنية لها. ولم نعمل على توحيد خطابنا كفعاليات ديمقراطية حداثية وتوجيه النقد في حينه لما نراه من انزلاقات للحراك قد تعصف بنا جميعا والعمل علي تقويم وعينا الجمعي الذي زاغ عن  مساره الديمقراطي و حتى لا نسجن بداخله كما هو الشأن الآن  بل كان هناك من ركبته الحماسة وأصبح يمتعض ويؤلب النشطاء ضد المناضلين وضد اي مقاربة نقدية للحراك بمبرر أن الوقت غير مناسب  وهم نفسهم من لعبوا أدوارا سلبية من اجل تصفية حساباتهم الخاصة مع من اعتقد وهم خصوما ولو علي حساب مصلحة الحراك وكل المنطقة وعملوا جاهدين علي عزل الحراك عن محيطه الطبيعي والأساسي  وبعد ان خفت وهج  الحراك بالداخل بفعل عوامل لا سبيل لذكرها جميعا الآن واعتقال معظم قياداته  وتراجع الكثير من النخب الريفية الديموقراطية التي طالها التخوين والتبخيس، كلما طالبت باشراكها في تحديد مسارات الحراك  وفي نفس الآن يطالب منها الدفاع عن واقع لم تساهم في صنعه مما جعلها تقف موقف المتتبع والمترقب او المتذمر مما يحدث وأصبح الحراك مرهونا للخارج الذي تحول من دوره الطبيعي المدعم والمساند الى دور الحاضن والناطق باسم حراك الريف الذي انتفت شروط  استمراره  كما كان في ارض الواقع وفي بلاد الريف وهو ما لا يزعج الدولة في شيء خاصة في الظروف الدولية الحالية التي أشرت واطلقت اليد الطولي للدولة المخزنية في لجم الحركات الاحتجاجية وممارسة كل اشكال الخروقات في حق الريف وأهله  بما فيها اعتقال الأطفال والقاصرين.

إننا فعلا بحاجة إلي إعادة تقويم وعينا  وتجميع ما تبقي من نخبنا الديمقراطية بالداخل والخارج وإعادة بناء ها علي قاعدة الوضوح في البرامج والآليات وتطوير الحراك مع العمل علي إعادته إلى موقعه الطبيعي بالداخل وتطوير وعقلنة أشكال دعمه من الخارج والاستفادة من اخفاقاتنا وهفواتنا المتكررة حتى لا تجعلنا نكرر بامتياز وعبر محطات كثيرة في تاريخنا تجربة حركة كل شيء من اجل لا شيء.