السبت 27 إبريل 2024
سياسة

هذه هي الخلايا الحقوقية التي ترعاها أمريكا لفصل المغرب عن صحرائه..

هذه هي الخلايا الحقوقية التي ترعاها أمريكا لفصل المغرب عن صحرائه..

حين نضجت الفكرة الحقوقية داخل المنتظم الدولي انعقدت عليها الكثير من آمال الشعوب، خاصة بعد أن اتخذت هذه الفكرة طابعا مؤسسيا من خلال إنشاء آليات وهيئات دولية لحماية الحقوق والحريات في العالم، سواء في مستويات العلاقة بين السلط والمجتمعات، أو ما يهم حقوق اللاجئين والأطفال والنساء وغيرها.

كان العالم يومها خارجا من الآثار المدمرة للحرب العالمية الثانية، والتي تعمقت أكثر بعد حرب الفيتنام، تفاعلا مع تجاذبات معارك استقلال الدول على خلفية الحرب الباردة. ومن ثم قرئت تلك الآليات والهيئات كتمثل للضمير العالمي اليقظ والمستقل. لكن مع توالي الأيام، وبعد أن انهار المعسكر الشرقي واستفرد الأمريكيون بالعالم، وبعد أن فقدت الفكرة الحقوقية بريقها أمام تضخم الصراعات بين الدول، تبدلت أدوار العمل الحقوقي، حيث استبدل مبدأ النضال التطوعي في هذا المجال بأقنعة جديدة للعمل الحقوقي، مستفيدة من سقوط الأفكار والمثل الكبرى لفائدة قيم السوق وقيم الابتزاز التي عرضت العالم إلى مبدأ البيع والشراء.

وفق ذلك صارت كل مناطق التوتر في العالم تخضع لمنطق المزايدة و«الشانطاج»، بدءا من قضية الصراع العربي الإسرائيلي، مرورا بحرب البوسنة والهرسك وقضية كوسوفو، وناميبيا والملفات الحارقة بالقوقاز (جورجيا وأوسيتيا خاصة، إضافة إلى ملف أبخازيا)، وصولا إلى نزاعات اليوم، وضمنها نزاع الصحراء المغربية الذي يبرز بوضوح كيف أن تعاملات المنتظم الدولي إزاءه لا تخرج عن منطق السوق بما يعنيه من عمليات البيع والشراء والمقايضة. (أنظر مقال رأي "في الصميم") 40 سنة من عمر هذا النزاع المفتعل الذي من المفروض أنه يخضع للمعالجة الدولية بإشراف الأمم المتحدة، تؤكد الأدوار المسيسة للعمل الحقوقي الذي يذهب دائما باتجاه الرغبة في لي ذراع المغرب وابتزازه، رغم كل أشكال التسوية السلمية التي نادى بها منذ قبوله سنة 1981 بإجراء الاستفتاء، وبقبول هيئة المينورسو، وانتهاء بمقترح الحكم الذاتي الموسع.

لكن مقابل المقترحات المغربية تحتد شراسة المنظمات الحقوقية الدولية، مرة باسم «حق تقرير المصير»، ومرة بالطعن في المنظومة القضائية المغربية، ومرة باتهام ممارسة التعذيب في حق «المعارضين».

في هذا الإطار يسعى غلاف هذا العدد من أسبوعية "الوطن الآن" إلى كشف حقيقة تلك الأدوار وأذرعها وأقنعتها الممولة من الدول الغربية العظمى (الولايات الأمريكية تحديدا)، وبإدارة أطراف في المجتمع الدولي تغذي فكرة «الفوضى الخلاقة» التي تهدف إلى إغراق الشعوب العربية في التمزقات الذاتية، وفي التجاذبات الإقليمية كوجه جديد من أوجه الاستعمار الجديد. لتوضيح ذلك يؤكد ملف هذا العدد أن العمل الحقوقي الدولي يتحرك عبر تشابك وتداخل ثلاثة أطراف:

1  - الإدارة الأمريكية عبر ركائزها الثلاث المتمثلة في: البيت الأبيض ووزارة الخارجية والكونغريس. فضلا عن موظفيها المبثوثين داخل المنظومة الأممية، وداخل المنظمات غير الحكومية من موقع التأثير وتقديم الاستشارة والمساهمة الفعلية في صنع القرار الدولي.

2  - المنظومة الأممية ممثلة في محيط الأمين العام الأممي وفي مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان وأيضا في مجلس الأمن والجمعية العمومية.

3 - المنظمات غير الحكومية المهتمة بـ «حقوق الانسان»، وخاصة تلك التي تحظى بالدعم الغربي الكبير والفاضح، ونعني بها بالدرجة الأولى: «فريدم هاوس، أمنيستي أنترناسيونال، هيومن رايتش».  التشابك بين الأطراف الثلاثة يفتح القنوات، عموديا وأفقيا، في ما بينها بدعم معنوي من مؤسسات التفكير Think-Thank التي تعبد لها الطريق بدراسات «مخدومة» تنوم الرأي العام وتوحي له بالطابع العلمي للحملات التي تستهدف هذه الدولة أو تلك. كما يتغذى هذا التشابك بانخراط «مكاتب انتداب حقوقية» مغربية في لعبة الأمم هاته مقابل تمويلات سخية، باسم «حقوق الإنسان» في تنكرللمقاربة الحقوقية، وفي انسجام كلي مع أعداء الحق المغربي.

إزاء كل ذلك ترتسم صورة مفارقة يبدو معها المغرب كما لو كان كوريا الشمالية أو نيجيريا أو الجزائر أو بورما أو غيرها من البلدان التي لا تزال في الدرجة الصفر لحقوق الإنسان بالتوقيت العالمي. في حين يصمت العقل الحقوقي الدولي عن الجزائر الموغلة في طابعها الاستبدادي، المحجورة بإرادة العسكر، المعطوبة بانحباس حقوق الإنسان وبقمع الحريات، بما فيها حرية الرأي والتعبير سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات كما في حالة شعب القبائل والطوارق.

الصورة مفارقة إذن وقدر المغرب أن يوجد الآن في مرأى الزناد الأمريكي والجزائري (بفضل أموال النفط)، تماما لو قدر له أن يؤدي ضريبة انفتاحه السياسي المتدرج منذ قرر المصالحة مع المجتمع بتعدده وتنوعه، وضريبة سعيه المشروع إلى نموذج تنموي ذي شخصية وطنية ترفض للبلاد أن تكون «محمية لأحد». في هذا الإطار نقرأ الخطاب القوي للملك محمد السادس في القمة الخليجية ـ المغربية، وفي الإطار ذاته نقرأ سعي المغرب إلى تنويع شركائه في العالم.

بعد ستة عقود من الاستقلال يستنهض المغرب ذاته لتأكيد مواصلة الاستقلال عن اللعبة القذرة التي تقودها الإدارة الأمريكية، حيث تلتقي موضوعيا مع خصوم المغرب الإقليميين الذين لا يعادون المغرب فقط لأنه يريد استكمال تحريره الترابي، أو لأنه خرج بسلاسة من رياح الربيع العربي، ولكن لأن «المخططات العدوانية - والكلام للملك محمد السادس - التي تستهدف المس باستقرارنا، متواصلة ولن تتوقف. فبعد تمزيق وتدمير عدد من دول المشرق العربي، هاهي اليوم تستهدف غربه. وآخرها المناورات التي تحاك ضد الوحدة الترابية للمغرب».

إن استئناف المطالبة بتجديد فكرة انفصال الصحراء عن المغرب تعني كذلك استئناف بلادنا للمطالبة بصحوة العالم ليعود إلى رشده، وإلى حماية قيم الإنسان بدل قيم السوق وقيم الابتزاز وقيم استعباد الشعوب وتمزيق الأوطان. 

تفاصيل أوفى تطلعون عليها في عدد أسبوعية "الوطن الآن" المتواجد حاليا في الأكشاك