الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي :فرنسا تفقد رمزها جوني هاليداي

يوسف لهلالي :فرنسا تفقد رمزها جوني هاليداي يوسف لهلالي

فقد الفرنسيون احد رموز أغنيتهم الحديثة جوني هاليداي، والذي شغل الساحة الفنية منذ 60 سنة،والذي يرمز إلى التحول الذي شهدته فرنسا ما بعد الحرب، وبروز التلفزة كأحد وسائل التواصل الجديدة التي تتجمع حولها العائلات، وبروز مجتمع استهلاكي حاول تجاوز ويلات الحرب والحزن، حيث كان اغلب سكانه نساء ورجالا يرتدون اللون الأسود.جيل هذا المغني جاء ليتخلص من

هذا الماضي وهذا الثقل ومن اجل دعوة الفرنسيين الى الفرح والاستمتاع بالحياة الاستهلاكية التي بدأت تدخل إليها فرنسا، بما ساد ذلك من استهلاك المخدرات والتقارب بين الجنسين، وحياة الليل التي اجتذبت الشباب الذي ولد ما بعد الحرب.

وادخل جوني إلى بلده جنس جديد من الغناء وهو  "الروكين رول"  وهو أداء غنائي قادم من الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت القوة الاقتصادية الجديدة بالعالم . رحل جوني هاليداي عن سن يناهز 74 سنة بعد معانات مع مرض السرطان الذي أعلنه مند سنة،وكان اسمه الحقيقي هو جون فيليب ليو سميت والذي كان أكثر من مغني لروك، بل يرمز إلى فرنسا ،ولخص رئيس الاليزي  إحساس الفرنسيين عندما غرد " كلنا لنا شيء من دجوني" له مسار من 50 سنة من الغناء، وقالت صحيفة التايمز فقد الفرنسيون " اليفيس برايسلي." وقد كان جد متأثر بهذا المغني الأمريكي وادخل طريقة غنائه الى بلد فيكتور هيغو بل قام بأداء العديد من أغاني ملك الروك الأمريكي والعالمي امام الجمهور الفرنسي.وقد انتقل في السنوات الأخيرة الى العيش بالولايات المتحدة الامريكية.وهو أول فنان من جيله يتقلد اعلى وسام بالجمهورية "فارس فيلق الشرف" والذي منحه إياه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك سنة 1997 .باعتباره اكبر الفنانين الفرنكوفونيين شعبية بفرنسا وباقي العالم. وتمكن باستمرار من تجديد جمهوره  وتمكن من بيع 110 مليون نسخة من البوماته.وذلك منذ النجاح الكبير  الذي لقيه ألبومه في بداية الستينات"سوفونير سوفونير" ( ذكرات ذكريات) بالإضافة الى البومه الأول "ليس ليفي" (اترك الفنيات)، ليتوج مسارا مليئا بالنجاح وكان كل ظهور او جولة فنية ترافقها طوابير من صفوف المعجبين التي ترافق جولاته الفنية.

في بداية عقد 2000 قرر هاليداي وضع مساره الغنائي بين قوسين والتفرغ لسينما التي كانت احد اهتماماته الكبيرة أيضا،وشارك في فلم مع زوجته الثانية ليتسيا وخلال حياته الفنية شارك في اكثر من 22 فيلم جزء منها مع كبار السينما الفرنسية.

تحت عنوان " لوف مي"(احيبيني)، لكن بعد هذا القوس، سرعان ما عاد الى الغناء بالبوم جديد "الافي الأمور" (للحياة للموت)، الذي لقي هو الاخر نجاحا كبيرا جعل جوني يقوم بجولة في المدن الفرنسية والغناء بملاعب كرة القدم، وكان أهم لقاءاته تحت برج ايفيل الذي حضره نصف مليون شخص تقريبا.

جوني كان يرمز لتحولات التي عرفتها فرنسا في العقود الستة الأخيرة والتي تفاعل معها كفنان وسايرها، رغم ان المجتمع الفرنسي كان دائما حذرا من الثقافة الأمريكية ومنتقدا لها ولهيمنتها، فان جوني ادخلها من باب الروك،وقلدها  بتماهي مع اليفيس برايسلي بما يرمز له من خفة ولامبالاة في كل شيء والانخراط في مجتمع   استهلاك الملذات التي يوفرها المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي من جنس،ومحذرات وملاهي وتمر على الأخلاق المحافظة،وهي تحولات عاشها  المجتمع الفرنسي وواكبها هذا الفنان وهو المغني الوحيد الذي سايرها بنجاح وتربع على كرسي الفنان الأكثر شعبية بفرنسا والعالم الفرنكوفوني خلال ستة عقود.

جوني هاليداي واكب تحول ا ما بعد الحرب في  بلد يخرج من ويلات الحرب العالمية من فقر وحزن يعكسه لباس الفرنسيين الذي كان يطغى عليه الأبيض والأسود واستهلاكهم المتواضع الى فرنسا "الألوان" والانفتاح على العالم الذي كان يمثلها جوني وأغانيه، وبروز التلفزة كادات تواصل جديدة، تهيمن على صالونات الاسر.

 بالنسبة لشباب فرنسا الذي كان يطمح الى الحياة وملذاتها وهو ما عكسته أغانيه ويمثل فرنسا التي تتمرد على سلطة الإباء والأسرة وسلطة المجتمع المحافظ الذي كان ينظر إلى جوني وأمثاله كخطر على قيم مجتمعهم. لكن جوني كان في عمق هذه التحولات بأغانيه، وثورة الطلاب سنة 1968 بفرنسا هي اكبر تجلي لهذا التحول الذي شهدته بلاد فولتير للخروج من ويلات الحرب والفترة الاستعمارية والاحتلال النازي وما خلفه من دمار واهانة الى بلد يفتح لسكانه وشبابه على الخصوص باب الحياة بكل ملذاتها وهو تحول واكبته انتشار مجتمع الاستهلاك وقيمه وتحرر اغلب بلدان الجنوب من الاستعمار المباشر وبروز الولايات المتحدة كعملاق  اقتصادي ومالي جديد بالعالم بعد اختفاء نجم كل من لندن وباريس.وهي الوضعية التي تألق فيها نجم وملك الروكين رول الفرنسي .

في هذه الظروف كان يغني جوني للفرنسيين الفرح واللامبالاة والانفتاح على عالم جديد متفائل بوفرة الشغل، وقدر الأبناء في الحصول على أجور تتجاوز بكثير أجور ابائهم، وتعطيهم سلطة الثقة في انفسهم وفي العالم الاستهلاكي الذي يعيشون فيه.جوني مثل عالما فرنسيا استثنائيا، هل انتهى هذا العالم برحيله، ليترك لمعجبيه من أجيال متعددة الايتام بعد ان اختفى مع العالم الذي يمثله، ويترك لهم عالم مليء بالأخطار والخوف لا يشبه عالمهم، نهاية الحرب والأجواء التي رافقته. رحل جوني لكن هذه المرة تخلف عن الموعد، فقد وعد محبيه بألبوم غنائي جديد، وجولة فنية سنة 2019 لكن جوني لم يف بالموعد اختار الرحيل عن محبيه وعن العالم.وكما قال الكاتب الفرنسي جون دورميسون الذي رحل هذا الأسبوع أيضا "شكرا ومع السلامة".