Tuesday 25 November 2025
كتاب الرأي

عبد الحي السملالي: على من تشنّ فرنسا الحرب؟ على الإسلام أم على الإخوان؟

عبد الحي السملالي: على من تشنّ فرنسا الحرب؟ على الإسلام أم على الإخوان؟ عبد الحي السملالي
في كل مرة تخرج فيها توصية جديدة من لجنة أو حزب أو وزير في فرنسا، تُطرح الأسئلة ذاتها: هل تخوض الدولة معركة ضدّ الإخوان وتنظيمات الإسلام السياسي؟ أم أنّها تُخفي حرباً أعمق ضدّ الإسلام ذاته، وتختبئ وراء ستار اللائكية لتبرير إجراءات تمسّ الممارسات الدينية اليومية للمسلمين العاديين؟
 
الحجاب من الدين، والصيام من الدين، والعبادة من الدين. وهذه أمور لا علاقة لها بأي مشروع إيديولوجي أو سياسي. ومع ذلك، تُستهدف هذه الممارسات المعيشية في توصيات وسياسات يُفترض أنها موجّهة أساساً لمحاربة “الانفصالية” أو “التطرف”. وهنا يتكثّف الشكّ المشروع: هل المشكلة هي فعلاً الإسلام السياسي—بجميع تفرعاته—أم المشكلة هي الإسلام نفسه حين يظهر في الفضاء العام؟
 
اللائكية كساترٍ سياسي لا يجيب على الأسئلة
تستند فرنسا إلى اللائكية لتبرير إجراءات قد تبدو في ظاهرها تنظيمية، لكنها في عمقها تمسّ الدين قبل أن تمسّ التنظيمات. فمنع الحجاب على القاصرات، أو منع صيامهن، أو منع المتطوعات المحجبات من مرافقة الرحلات، ومنح الولاة سلطة واسعة بلا ضوابط، وتوسيع تعريف “الانفصالية”… كلها خطوات تُصوَّر كأدوات لمكافحة الإسلام السياسي، لكنها عملياً تطال أضعف حلقة في المجتمع: المسلم العادي.
 
هكذا تتداخل الرسائل:
تقول الدولة إنها تكافح “مشروعاً سياسياً”، لكنها تضرب في الطريق ممارسات دينية لا تشكّل أي تهديد. وهنا ينشأ الخلط الخطير: فشريحة واسعة من المسلمين لا تفرّق بين مهاجمة الإخوان كمشروع سياسي، وبين مهاجمة الدين ذاته. وفي المقابل، هناك من يتصور أن كل إجراء يستهدف الإسلام السياسي هو استهداف شخصي له كمسلم.
 
لقد أصبحت الضحية في هذا الغموض المسلم العادي الذي يُحاسب بجريرة تنظيم لا ينتمي إليه، ولا يعرف أحياناً حتى تفاصيل اختلافه مع التيارات الأخرى داخل الإسلام.
 
الحرب المؤجلة… أم الحرب المموّهة؟
إن كانت فرنسا ترى في الإخوان أو في الإسلام السياسي—بجميع أنواعه—خطراً على بنيتها الديمقراطية وقيمها الجمهورية، فلتذهب إلى المواجهة مباشرة، بلا تردّد، وبلا التفاف.
لتواجه المشروع السياسي بما هو مشروع سياسي: أفكار، تنظيم، تمويل، خطاب، شبكات، تأثيرات خارجية.
 
لكن اختزال المواجهة في إجراءات تمسّ الصيام والحجاب والجمعيات الثقافية والمساجد والأنشطة المدرسية… هو أسلوب ملتفّ وغير صريح.
هو حرب غير معلنة على الإسلام تُقدَّم على أنها حرب على الإسلام السياسي.
 
إنّ الشجاعة السياسية الحقيقية ليست في ملاحقة الرموز الدينية البسيطة، بل في مواجهة التنظيمات حين تتحوّل إلى مشاريع أيديولوجية مغلقة.
وهذه المعركة، إن كانت مطلوبة، فلها أدواتها القانونية والسياسية والأمنية—ولا تحتاج إلى إدخال المواطنين المسلمين في دائرة الارتياب الدائم.
 
تفكيك التوصيات: أين المشكلة وأين الانحراف؟
مجمل التوصيات التي قدمتها بعض الأحزاب والجهات في فرنسا تعاني ثلاث علل واضحة:
1. اعتداء على الحقوق الفردية:
منع لباس، منع صيام، مراقبة عقائدية للمرشحين… كلها إجراءات تُحوِّل الحرية الدينية من حقّ دستوري إلى امتياز قابل للسحب.
2. صعوبة التطبيق واحتمال التعسّف:
كيف ستراقب الدولة صيام قاصر؟ كيف ستحدد عمر فتاة في الشارع؟ كيف تُعرّف “الانفصالية” بمفهوم فضفاض؟ هذه سياسات تُفتح فيها أبواب التمييز على مصاريعها.
3. نتائج عكسية:
بدلاً من الحدّ من خطاب العزلة، تعزّز هذه الإجراءات شعوراً بالاضطهاد وتزيد من جاذبية الخطابات المتطرفة للشباب المهمَّش.
 
في المقابل، هناك بدائل معقولة: الشفافية المالية المدروسة، الرقابة المبنية على الأدلة لا على الانطباعات، تعليم نقدي، إشراك الأسرة، دعم الجمعيات بدل شيطنتها، وتحديد خصم سياسي لا خصم ديني.
 
المطلوب: إخراج المسلم العادي من ساحة المعركة
لا يمكن لفرنسا أن تربح هذه المعركة طالما تُبقي كل مسلم في دائرة الشبهة.
ولا يمكن أن تكون اللائكية سيفاً يضرب الدين بينما يُقال إنها تحمي الحريات.
 
إذا كانت المواجهة مع الإخوان، أو مع الإسلام السياسي، أو مع أي تنظيم يملك مشروعاً أيديولوجياً، فلتُحصر المعركة في هذا المجال.
أما المسلم الذي يمارس دينه في حياته الخاصة، فلا ينبغي أن يُحشر في معركة ليست معركته، ولا أن يدفع ثمن حسابات حزبية، ولا أن يتحمّل تبعات الخلط بين الإيمان والتنظيم.
 
إنّ إخراج المسلم العادي من دائرة الارتياب ليس “منّة”، بل شرط لانتصار أي سياسة عقلانية، وقاعدة لاستعادة الثقة، وضمانة لعدم انزلاق الصراع إلى عداء هووي يصعب التصالح بعده.
 
خاتمة
بين الحرب على الإخوان، والحرب على الإسلام، تختار فرنسا أحياناً منطقة رمادية لا تُطمئن أحداً.
لكن المطلوب اليوم—إن كانت هناك فعلاً معركة—هو الوضوح:
 
قولوا لنا على من تشنّون الحرب؟
إن كانت حرباً على الإسلام السياسي، فهذه مواجهة سياسية مشروعة وواضحة.
وإن كانت حرباً على الإسلام في مظاهره البسيطة، فهذه معركة أخرى تماماً—ولا يمكن إخفاؤها وراء اللائكية.
 
وفي كل الأحوال، المسلم العادي ليس طرفاً فيها. ولا ينبغي أن يكون.