الخميس 28 مارس 2024
منبر أنفاس

عزيز لعويـسـي: شفرة الحـلاقة ومطالب الصلح

عزيز لعويـسـي: شفرة الحـلاقة ومطالب الصلح عزيز لعويـسـي

تناقلت بعض المواقع الإجتماعية مقطع فيديو يوثق لزيــارة منزل الأستاذة ضحية الضرب والجرح الخطيرين بالحي المحمدي باستعمال شفرة حلاقة، قامت بها والدة التلميذ الجانح وبعض ممثلي المجتمع المدني وأطر من الصحة وصحافيين وأساتذة، كان الهدف منها محاولة طلب الصلــح من الضحية لإنقــاذ التلميذ المعتقل من السجن، وهذه الزيـارة تسمح بإبداء الملاحظات التالية :

- أن الأم كان لها أن تتحمل مسؤولياتها التربوية حيال ابنها المعتقل، أولا بتربيته تربــية حسنة يحترم من خلالها أصدقاءه وزملاءه وأساتذته ومؤسسته... إلخ، ثانيا أن تتقبل بروح رياضية القرار الصادر عن المجلس الانضباطي وتعمل على القيام بالتدابير القانونية لنقل ابنها إلى مؤسسة أخرى، ثالثا أن تكون على وعي وإدراك أن ما وقع لابنها كان بسبب سلوكه الطائش والمتهور، رابعــا أن تتفادى إلقــاء اللوم والعتاب للأستاذة الضحية ومواجهتها بالسب والشتم، خامسا أن تهدئ من روع الابن بدل تهييجه ودفعه بطريقة أو بأخرى إلى اقتراف تصرف مجنون .

- بعد الاعتداء الهمجي على الأستاذة، لابد من تحميل التلميذ المتهور كامل المسؤولية، لاقترافه أفعال جرمية معاقب عليها قانونــا، وتسببت للضحية في إيذاء جسدي ونفسي من الصعب أن يتعافى أو ينــدمل.

- التوجه إلى منزل الأستاذة من أجل طلب الصلح ، هو اعتداء آخـر على الضحية وإهانــة ووقاحة واستخفــاف بالحالة النفسية التي توجد عليها نتيجة الاعتداء الهمجي الذي طالها باستعمال شفرة حلاقــة .

- المجموعة التي رافقت والدة الجاني إلى منزل الأستاذة من ممثلين عن المجتمع المدني وأطر في الصحة وصحافيين وأساتذة، أساؤوا بما أقدموا عليه للضحية رغم حسن نيتهم، لأنهم تعاطفــوا مع الجلاد وقاموا بالتطبيع مع سلوكه الإجرامي وتدخلوا لإنقاذه من السجن، ولم يقـدروا حجم الضرر الذي لحق بالضحية جسديـا ونفسيــا، وزيارتهــم لهــا لم تكن من أجل تفقد حالتها الصحية، بــل من أجل تليين خاطرها ودفعها إلى التنــازل .

- حسب تصريحات والدة التلميذ، فقد كان من بين المرافقين لها بعض الأساتذة، وحضور هؤلاء في إطار الصلح، هــو ضربة ثانية لزميلتهم، لأنه كان من المفـروض عليهم الاصطفاف حولها والتضامن الكلي معها، لأن ما وقـــع لها مس بالمنظومة التعليمية ككل، كما أن حضورهـم في عملية طلب الصلح، يسئ لرجال ونســاء التعليم الذين أصبحوا يعانون الويلات أمام نزيف العنف الممارس عليهم من قبل التلاميذ المتهوريــن، وبالتالي كان عليهم الابتعــاد حتى لا تسجل عليهم خطــوة يغيب فيها الرقي والبعد التضامني، والتطبيــع الناعــم مع العنف الذي يطال زملاءهم وزميلاتهم.

- التلميذ الجانح رهن الاعتقال والقضية جارية على مستوى القضـاء، وبالتالي لابد من احترام سلطة القضــاء وعدم التشويش عليها، كما أن الصلح في مثل هكذا حالات لن يجـــــدي، وحتى إذا ما افترضنا أن الضحية تنازلت عن حقها في متابعة المعني بالأمر، فإن هــذا لا يوقف المتابعة في حقه من طرف النيابــة العامة التي تمثل الحق العام، لأن السلوك المقترف لم يترك أثرا على الضحية جسديا ونفسيــا فحســب، بل ألحق اضطرابــا بالمجتمع وكرس فقدان الثقة في المدرسة العموميـة وعمق الإحساس بانعدام الأمن في هذه المدرسة ومحيطها وفي المجتمع ككل، وبالتالي ففكــرة الصلح لا يمكن أن تشكــل أي فسحة للنقاش.. أولا بالنظر لجسامة الضرر الذي لحق بوجه الضحية نتيجة استهدافها بشفــرة حلاقة، ثانيــا عمق الضرر النفسي الذي يصعب إن لم نقل يستحيـل أن يندمــل وكذا بالنظر كما أسلف الذكر تداعيات هذا الفعل الجرمي على جميع المستويات (تربويا، اجتماعيا، سياسيا، أمنيا، قضائيا)...

- القواعد القانونية خاصة الجنائية منها لم تشرع إلا للضبط الاجتماعي ووقاية الأفراد والجماعات من كل التصرفات الماسة بسلامة الأشخاص أو الأموال، وهذه القواعد لها خاصية الإلزام المقرون بالجزاء، وبالتالي، فأي تصرف أو سلوك مخالف للنص الجنائي، لابد وأن يتحمل مقترفه الجــزاء المناسب الذي يتناسب مع درجة الفعل وحجم الضــرر.

- التلويح بمطالب المصالحة مع الضحية هو مس صارخ بالنص القانوني الجنائي، الذي لم يسن إلا لزجر المخالفين، ومهما كانت درجــة التعاطف مع الفاعل ، فهناك بالمقابل ضحيــة هددت في سلامتها الجسدية والنفسية، وبالتالي لا يمكن إلا أن يحفظ حقها وتصان كرامتها، أما الفاعل فالقضاء وحده من له السلطة والأهلية لتكييــف درجة الفعل الجرمي المقترف من طرفه وتقدير حجم الضرر الجسدي والنفسي الذي لحــق بالضحية .

- لابد من التشبع بثقافة احترام القوانين والضوابط، وهذا الاحترام هو الكفيل بتجنب التصرفات المتهــورة من طرف التلاميذ، وبالتالي الحد من نزيف العنف المدرسي.. أما التعاطف أو التهادن مع التصرفات الطائشة للتلاميذ خاصة تلك التي تصل إلى مستوى الفعل الإجرامـي، فهذا غير مقبول إطلاقا وهكذا تصرف فهو يشجع على العنــف ويشرعنــه.. وبالنسبة للتلاميذ المتهورين لابد أن يفكروا ألف مرة قبل أن يقترفوا تصرفا يمكن أن ينتهي بهم خلف القضبــان.. وقبل هذا لا بد أن يفكروا في الوضعية المحرجة والصعبة التي يضعوا فيها آباءهم وأمهاتهم، وبالقــدر ما نتأسف على مصير تلميذ متهور قادته حماقته إلى ما وراء القضبــــــان، بقدر ما ندين حالات الاعتداء التي أصبحت تطال رجل التعليـــم الذي يشتغل في القسم وخارج القســم من أجل نقل المعرفة لتلاميذ يفترض أن يتحلوا بالاحترام والانضباط والتقدير والتبجيل لأستاذ(ة) يحتــرق من أجلهـــم، وهي فرصة لنعلن التضامن اللامشروط مع الضحية التي تحتاج إلى المؤازرة من طرف زملائها وتلاميذها وإدارييها.. كما تحتاج إلى الدعم المادي والنفسي والقانوني، حتى تتجاوز محنتها وتتناسى "شفرة حلاقة" غيرت مسار حياتها يوما، وتركت في نفسها جروحا من الصعب أن تندمل.