الاثنين 6 مايو 2024
كتاب الرأي

عبد المجيد مومر: لماذا يطالب تيار "أولاد الشعب" باستقالة إدريس لشكر؟

عبد المجيد مومر: لماذا يطالب تيار "أولاد الشعب" باستقالة إدريس لشكر؟ عبد المجيد مومر

إن الحديث عن ضرورة تجدد الرقم السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، ضمن المعادلة الوطنية، يجسد استنتاجا مستخلصا عند كل مهتم ومتتبع لمسار الحياة السياسية المغربية المعاصرة. هذا المسار العام الذي تميز لعقود ببروز مشروع الحركة الاتحادية الذي أسس لحلم نخبة من القوات الشعبية باتحاد وطني، هدفه ترسيخ برنامج حزبي قادر على استكمال التحرير الترابي، السياسي، الثقافي، الاجتماعي والاقتصادي لأجيال ما بعد الحماية المستعمرة.

كانت الفكرة السياسية للاتحاد فكرة حزبية مغربية حديثة أنعشت آمال فئات عريضة من الشبيبة المغربية، وجمعت شمل أنتلجنسيا معرفية قوية. ثم استطاع التنظيم الاتحادي بعد مسلسل شاق من  تغيير منحنى دالة المعادلة السياسية بالمغرب وفتح صفحة جديدة من النضال السياسي حول سؤال الديمقراطية، وكذلك من التوافق حول ثوابت المصلحة الوطنية.

إن الاتحاد كنهج سياسي يظل رغبة حية عند العديد من فئات المجتمع المغربي، لذلك يجب أن يظل طموح النخب الشابة قويا لإحقاق مشروع التجدد الاتحادي الحداثي. إنه تحيين لحاجة مجتمعية مازالت قائمة رغم بشاعة أخطاء الانتحار السياسي المتكررة للقيادة الحالية. فكيف يستيقظ الاتحاد من كابوس الإفلاس السياسي ليجدد رقمه السياسي ضمن المعادلة الوطنية؟

ذاك سؤال البداية الذي ينطلق جوابه من اقتناع القيادة الحالية، الواعية بطبيعة الزمن السياسي الراهن، والتي ترغب في إنهاء مشوارها السياسي بحكمة وتبصر دون المساهمة في الوأد المتعمد للمشروع السياسي الاتحادي .

إنه فعلا زمن اقتناع الكاتب الأول إدريس لشكر بجدوى "الانسحاب الاختياري" كقيمة أخلاقية مضافة، قد تشكل أساسا متينا للسعي الصادق لتدارك الزمن الضائع وتدشين تحول حزبي متدرج بالعمل التضامني لإنجاح محطة المؤتمر الاستثنائي، من خلال التحضير الديمقراطي التشاركي.. فضمان تجدد التنظيم يفرض علينا الوعي بإلزامية التحول من هوس القواعد المحروسة إلى ثقافة الفضاء المشترك المحتضن لقيم التعايش والتبادل والإبداع، كما أن تجدد الفكرة الاتحادية يفرض القطيعة مع مشروع الانبعاث الفاشل، الذي قاده الكاتب الأول ادريس لشكر، والتطور وفق مشروع التجدد الاتحادي الحداثي نحو إفراز البرنامج الحزبي الجديد.

هذه محاور أساسية لمشروع التجدد الاتحادي الحداثي، فعلى أساس "الانسحاب الاختياري" للقيادة الحالية يتحول المكون البشري الاتحادي من صراع الانتحار الجماعي ونزيف الطاقات الحزبية إلى الانتعاش الفكري وتضامن الجهود، من أجل تدبير الأهداف والطموحات وفق استراتيجية النضال الحداثي الدستوري المتضامن الجديدة، والتي تستلزم تقدما ملموسا في تسمية التنظيم نحو "اتحاد حداثي للقوات الشعبية" كعنوان بارز لصدقية التجدد الاتحادي وسعة بيته التنظيمي الجديد، الذي وجب أن يرتقي إلى مستوى ثقافة سياسية منفتحة على الآخر ولا تدعى امتلاك الحقيقة السياسية المطلقة.

إنها الضمانة المُطَمْئِنَة من تحول التنظيم إلى فضاء مرن ذا بعد تجميعي يجعل من الانتساب السياسي إليه، انتماء طوعيا وانخراطا تطوعيا في صلب التجدد الحداثي للمشروع الاتحادي، الذي لم يعد عرضه السياسي المُسْتَهْلَك قادراً على تقديم إجابات عميقة عن أسئلة المجتمع المغربي الحارقة.

إن آليات التحليل الاشتراكي المتقادمة ووسائل بنائه الدياليكتيكية المادية، لم تستطع الصمود أمام غزوات حركات التدين السياسي التي عَشْعَشَتْ في اليومي المجتمعي المُعَاش بتأويلات شتى أعلنت أفول طرح الانبعاث الذي بَشَّرَت به القيادة الحالية الفاشلة. فمشروع إدريس لشكر السياسي لم يساعد البتة على ضمان التوازن المستقر بين هوية الاتحاد وموقعه ضمن المشهد السياسي المغربي، في حين يدفعنا مشروع التجدد الاتحادي الحداثي لنهج سياسة التفاعل الثقافي الحر القادر على تنمية الشخصية الاتحادية، مع ضمان ارتقائها فوق عقدة الاحساس بالدونية أمام هذا التحالف الحكومي الهجين والهوس باسترزاق الوزارات وخيانة المرجعية الحداثية للحزب.

إن القيمة المضافة لهذا الانفتاح المثمر على أبعاد مشروع "التجدد الاتحادي الحداثي"، هي التأسيس للبرنامج الحزبي الجديد، وذلك بضبط المتغيرات الذاتية مع الثوابت الموضوعية وفق تجدد فكري يفتح أفاق جديدة باعتماد استراتيجية النضال الحداثي الدستوري المتضامن، إنه الإبداع الاتحادي الذي وجب تطويره لمسايرة زمن الثورة الصناعية الرابعة القريبة.