ينطلق يوم الجمعة فاتح دجنبر 2017، بالتزامن مع ذكرى عيد المولد النبوي الشريف، الموسم الديني سيدي محمد بن عيسى الشهير بـ "الشيخ الكامل"، حيث تتحول فيه مدينة مكناس، وعلى مدى أسبوع كامل، إلى قبلة لمواكب الطوائف العيساوية القادمة من مختلف ربوع الوطن والمتوجهة صوب ضريح الهادي بنعيسى، والتي تمتع الزوار بأذكار وتوسلات وأدعيات تمتزج بموسيقى من المزامير والطبول والدفوف وطقوس خاصة في الأداء تعطي طابعا فرجويا بديعا ومشاهد مسرحية رائعة، يردد معها الزوار، الذين يحجون بكثافة إلى مختلف المداخل المؤدية لأشهر معلمة ثقافية ودينية في شمال إفريقيا: "الله.. الله.. الله يا مولانا.. الله.. الله.. الله.. والغني مولانا، بسم الله باش نبدا راه عندي مختارة.. بسم الله باش نبدا راه عندي مختارة..".

أذكار وتلاوة القرآن وتوسلات وأدعيات تصاحبها نغمات موسيقية من الطبول والمزامير والدفوف والطعارج وحركات راقصة للعيساويين على إيقاع الموسيقى وترديد الأذكار، والتي كثيرا ما يرقص لها الزوار، حيث يشكل موسم الهادي بنعيسى ملتقى للطوائف العيساوية بربوع التراب الوطني، بلباسها الزاهي من الحنديرة الصوفية الحمراء المزينة بـ "الموزون" والجلابة والقشابة، والذي يمنح موسم الشيخ الكامل طابعا احتفاليا متميزا، يشد إليه الزوار بالفرجة كأنه عرض مسرحي رائع.

هذان المظهران الصوفي والتعبدي، وكذا الفني والجمالي، مكونان بنيويان في الظاهرة العيساوية، وهو ما يمنحها الطابع الاحتفالي، خاصة في شهر ربيع الأول، تاريخ إحياء موسم المولد النبوي بمكناس. ولعل العنصر الفني البارز في الطريقة العيساوية هو الموسيقى التي تصاحب الأذكار والأناشيد، سواء في الليلة العيساوية أو خلال موسم عيد المولد النبوي، حيث ترتفع الأصوات أحيانا وتعود وتيرتها فتعتدل وتتلون في التلحين والأداء بشكل فني، وتحضر في هذا الأداء مجموعة من الآلات الموسيقية: الطعارج، النحاسة، المزامير، الغيطة، الطبول، النفير، تبعا لبناء وتدرج مكونات الليلة العيساوية.

فالأذكار تكون بالطعارج فقط إلخ، أي الآلات البسيطة، يشير البويحياوي، لكن في مرتبة منها يستعمل النفير (مثلا آخر فقرة من الذكر)، ثم هناك أيضا مرتبة الحرم (الحرم يا رسول الله.. الأمان يا حبيب الله.. الحرم جيت عند قاصد أسيدي رسول الله..)، ثم مرتبة الدرقاوية (أيا بابا وانا خديم سيدي رسول الله يلا رضى لي)، ومرتبة حد في الذكر العيساوي (يا أحد يا رحمان ).. ولعل نغمات الطبول والإيقاعات تكون ألوانا من الحضرة أو الرقص هو ما ينقلنا من الموسيقى كإطار فني إلى عنصر آخر، وهو الجانب الفني المتعلق بالحركة الجسدية التي يتم توظيفها في الطريقة العيساوية، تماما مثل العبادة التي تحضر فيها الحركات الجسدية الحج مثلا (السعي بين الصفا والمروة)، الصلاة التي ليست إلا مجموعة من الحركات (قيام ركوع سجود جلوس..)، لكن الحركة في الطريقة العيساوية تقترن بالموسيقى وإيقاعات مختلفة تجمع تحت مصطلح "الحضرة"، وهي أنواع مثلا "الحرم يا رسول الله.." تتم فيها الحضرة بهدوء، ثم ترتفع لتصل إلى قوة أكبر عندما نصل إلى "الفريسة" في الظاهرة العيساوية التي يتشبه فيها العيساويون بأنواع من الحيوانات والوحوش في حالة صيد وافتراس، لذلك نجد ظاهرة "السبع" و"اللبيات" و"الديب" كمصطلحات عيساوية، ويحاول الذئب أن يستعمل القناع كعنصر مسرحي مما يضفي طابعا من الفرجة.. لكن للأسف غابت هذه الأدوار عن طقوس الطريقة العيساوية في احتفالات عيد المولد في السنوات الأخيرة، ثم هناك "الهدية" في موسم المولد النبوي كعنصر من الشعائر الدينية، حيث تكون الهدايا عبارة عن تيران فحول مزينة بالحناء وأغطية بيضاء وألوان خضراء وتساق إلى ضريح الشيخ الكامل تقربا إلى الله تعالى وتوسعة عن الناس والمريدين والزوار (تذبح ويوزع لحمها على الزوار والمريدين). لكن العنيف فيها هو التمرغ الذي نلاحظه في الذبح أو شرب الدماء، كما تحمل الزرابي والشموع في موكب مهيب نحو ضريح الهادي بنعيسى مؤسس الطريقة..

إنه التمازج الجميل بين الجانب الفني والجمالي والجانب الصوفي الذي تصنعه الطريقة العيساوية.

- مؤسس الطريقة العيساوية:

محمد بنعيسى الإدريسي الحسني الملقب بـ "الشيخ الكامل" ولد عام 872 هـ.. ارتحل بت والده إلى فاس حيث جامع القرويين، فنهل من علوم الإسلام على يد مشايخ عصره حتى برع فيها وتظلع في مجالاتها، ثم انتقل بعدها إلى مكناس حيث التقى بالشيخ أحمد بن عمر الحارثي، وهو أحد أكبر تلامذة الشيخ محمد بن سليمان الجزولي صاحب دلائل الخيرات المباشرين، وأخذ عنه الطريقة الشاذلية، ولم يؤلف كتبا.. واقتدى في هذا بشيخ الطريقة الشاذلية أبي الحسن الشاذلي الذي كان يقول: كتبي أصحابي. وإنما ألفت عنه وعن طريقته بعض الكتب قديما وحديثا.. وله منظومتان في التصوف مازالت موجودة وتائية عروضية على لسان القوم بالفصحى حفظت هي الأخرى حتى هذا العصر.. كان له مجلس يلقي فيه الدروس في الجامع الأعظم بمكناس. توفي سنة 933هـ عن واحد وستين سنة.

- أماكن انتشار الطريقة العيساوية: