Saturday 26 April 2025
ONCF Voyages
سياسة

سعيد الكحل يفكك مفهوم الخلافة عند جماعة العدل والإحسان

سعيد الكحل يفكك مفهوم الخلافة عند جماعة العدل والإحسان

تأسست جماعة العدل والإحسان على عقائد محددة ومن أجل مشروع واضح المعالم. فمرشد الجماعة ومؤسسها الشيخ ياسين ميز بين دولة القرآن ودولة السلطان. وكل دولة لا تطبق شرع الله فهي بالضرورة دولة السلطان التي يتوجب هدمها لإقامة دولة القرآن. لهذا تسعى الجماعة جادة لإقامة دولة القرآن التي هي دولة الخلافة على منهاج النبوة. ونظام الخلافة نقيض لكل النظم السياسية، أكانت ديمقراطية أو ديكتاتورية. فالأساس الذي تقوم عليه دولة الخلافة هو الحكم نيابة عن الله وليس عن الأمة أو الشعب .وهذا ما يسميه الشيخ ياسين "بالحكامية" على غرار المودودي (نفرده سبحانه بالعبادة، ومن العبادة ، من أعلاها عروة الخضوع لحاكميته.

وها نحن في سياق الشورى لا في المساق الديمقراطي. لا نكون مسلمين إن زعمنا أننا نعبده في الصلاة والزكاة، ونحكِّم غير شريعته في الشأن العام ) (ص 65 الشورى والديمقراطية). فالديمقراطية بالنسبة للجماعة هي اللادينية، أي الكفر. ولا تكون الشعوب إسلامية إلا إذا طبقت حكما يستمد كل قوانينه ونظمه من "شرع الله"، وامتثلت لنظام حكم محدد هو نظام "الخلافة". ومن مميزات دولة الخلافة، أن السلطات كلها تتركز بيد الحاكم الذي له وحده القرار (المسألة في الإسلام محسومة في قوله تعالى: "فإذا عزمت فتوكل". رد القرار النهائي إلى ولي الأمر(وتجتمع مقاليد الدعوة والدولة معا في يد الإمام القطري قبل التحرير العام، والخليفة بعده، ينسق، ويأمر، وينهى، وينظر إلى الأسبقيات، وينصب، ويعزل) (ص 410 المنهاج).

المسألة محسومة في البيعة والطاعة بمقتضى قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ") (ص 562 العدل). بهذا التبرير ينتهي الشيخ إلى مصادرة حق الأمة في اتخاذ القرار معتبرا أن الالتزام بنتيجة الشورى يترتب عنه "الشلل التام"؛ بل يعتبر القيادة الجماعية للدولة مرفوضة من أصلها (ما يسمى بلسان العصر قيادة جماعية لا مكان له في الإسلام، ولا معنى له في علم السياسية وممارسة السلطان. فالأمير هو صاحب الأمر والنهي في كل صغيرة وكبيرة) (ص 66 المنهاج). أما الخاصية الثانية التي تميز دولة الخلافة هي "الولاية" وليست المواطَنَة (فالولاية بين المؤمنين ليست من قبيل إضافة سياسية أو قرابة نَسَبية تُلحِق هؤلاء بأولئك. بل هي لحمة عقدية وروح سارية وتناصر واجب. لا يتم إيمان أحد بدون تغلغل هذه الولاية في كيانه القلبي، يصدِّقُ هذا التغلغلَ الفعلُ والمشاركةُ والالتزام الجهادي بالنفس والمال ) (ص 244 العدل).

من هنا لن يشارك  في إدارة دولة الخلافة والعمل ضمن أطرها ودواليبها سوى الذين يحملون مشروع دولة الخلافة ويدافعون عنه، أما غيرهم من المواطنين فممنوعون من الوظائف العمومية، وهذا ما قرره الشيخ (كتب الأستاذ أبو الأعلى المودودي رحمه الله في كتاب "نظرية الإسلام وهديه" ما يلي: "وبالجملة، فإن كل من أُعِدَّ لإدارة الدولة اللادينية ورُبِّيَ تربية خلقية وفكرية ملائمة لطبيعتها، لا يصلح لشيء من أمر الدولة الإسلامية . فإنها ( أي الدولة الإسلامية ) تتطلب وتقتضي أن يكون كل أجزاء حياتها الاجتماعية، وجميع مقومات بنيتها الإدارية من الرعية والمنتخبين والنواب والموظفين والقضاة والحكام وقواد العساكر والوزراء والسفراء ونظار مختلف الدوائر والمصالح، من الطراز الخاص والمنهاج الفذ المبتكر") .

ويشدد الشيخ على عزمه تنفيذ منهاج المودودي بقوله (قلت: هذه عبارة أمسكوها أيضا أيها الفضلاء ، ولعل صياغتها تناسب مدارككم) (ص 534، 535 العدل). وحتى يزيل كل لبس عن مراده ومخططه القائم على إبعاد كل من ليس عضوا في جماعته ويدين له بالولاء والطاعة عن المشاركة في إدارة الدولة، كتب الشيخ موضحا ( أبناء الدنيا لا يصلحون لنظم أمر المسلمين في غد الخلافة الثانية) (ص 120 العدل). الخاصية الثالثة التي تميز دولة الخلافة هي أن الدين جزء من السياسة ، والسياسة جزءا من الدين ( ما الدين عقيدة رسمية لدولة تفرض على الناس الخضوع لها. ما الإسلام مذهبية حزب سياسي يقوم تنظيمه على انضباط ثوري . وما الدين بمعزل عن الدولة وعن التنظيم السياسي. وما الدين قضية شخصية يتسامح بصددها المسلم مع الكافر، والتائب مع المرتد ) (ص 141 الشورى).

من هنا يجزم المرشد  (الخلافة تعني ممارسة الحق الإلهي) (ص 444 المنهاج النبوي). وبمقتضى هذا الحق الإلهي تصير الدولة ملكا للدعوة (حقيقة التمكين في الأرض أن تكون الدولة والسلطان بيد رجال الدعوة الساهرين على الدين، القائمين بالقسط. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حالة التمكين تصرف متكامل شامل بيدي القرآن والسلطان، بالترغيب والترهيب، بالتطوع والطاعة.) (ص 391 المنهاج النبوي). هذا هو المشروع السياسي الذي تريده الجماعة وتسعى لتطبيقه وفرضه بكل الأساليب بما فيها استعمال العنف والسلاح والترهيب. وخيار العنف والسلاح منصوص عليه في أدبيات الجماعة وتقره عقائدها ويشرعنه المرشد في أكثر من كتاب مثل: (نبرز بمشروعنا ، ونعلنه، ونحارب دونه بأساليب السياسة ما انفتح لنا فجوة، وبكل الأساليب إن اضطهدنا) (ص 27 المنهاج)، وأيضا (مقاومة الظلم حتى الموت ولو نشرا بالمناشير .. ثم مقاطعة الظالمين: لا نواكلهم ولا نشاربهم ولا نجالسهم. وهذه هي الصيغة المثلى للقومة. فلو قدرنا أن نتجنب استعمال السلاح ضد الأنظمة الفاسدة ، ونقاطعها حتى تشل حركتها، ويسقط سلطانها، وترذل كلمتها) (ص 36 رجال القومة والإصلاح).

بعد هذا التوضيح لمشروع الجماعة ، هل ما قاله أمينها العام السيد العبادي ينسجم مع عقائد الجماعة ومبادئها أم هو مجرد تذكير بأقوال ارتبطت بمرحلة تاريخية ولت كما زعم بعض قيادي الجماعة بعد الضجة التي أحدثها فيديو السيد العبادي؟ الجواب فيما سطره مرشد الجماعة ومؤسسها متدرجا في أنواع العقاب التي ادخرها لخصومه بعد استيلاء الجماعة على الدولة والسلطة، ومنها عقوبة نفي الخصوم والمعارضين قبل أن تثبت أركان دولته، كما في مخططه (وإن لنا في قوله وهو أرحم الراحمين: (أو ينفوا في الأرض) خيار ومندوحة عن البأس الشديد قبل أن نتمكن ) (ص149)، وبعد التمكن ينزل البأس الشديد وهو قطع الأطراف وسمل العيون والتعطيش حتى الموت مبررا جرائمه المدخرة كالتالي (كانت شدة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعداء الله بعد أن ثبتت أركان دولته في المدينة شدة بالغة. فقد غدر ناسٌ من عُكْل بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وعطشهم حتى ماتوا عطشا ) (ص149).