ان قوة الأخلاق عند المرأة المعاصرة، تتمايز بقيم المروءة والشجاعة والتعاطف والصبر والمثابرة وسمو الثقافة والمعرفة في التربية الأسرية والتي جلها تكمن في ذاتها بوعي وإرادة متميزة .
فالمرأة وبحكم تكوينها النفسي تحب أن تكون جميلة وقادرة على انتزاع إعجاب الرجل كأنثى، وأن تظهر بما يجعلها محط جذب الرجال والنساء في آن واحد، وتحاول كما يقال المثل (( أن تكون كالزهرة التي تفوح بعطرها لتجذب النحل إليها)) وبحكم تكوينها العاطفي ومكانتها في العائلة والمجتمع، ترغب من الأخر إبداء قدر من الإعجاب و الاحترام والحب والصراحة والصدق والرعاية والحماية في تعامله معها، هذه هي الأساسيات ومن غرائز في ذات المرأة وليست من الأمور الثانوية في سلوك وطبائع أي امرأة.
فمكامن تأثيرها في المجتمع لا يضاهي لأي علاقة تأثير أخرى من خلال دورها التربوي لأبنائها، حيث تمثل لهم قدوة في كل شيء، في التعليم والتربية وفي كيفية الاحترام والتعامل مع الآخرين، وكيفية التصرف والانضباط في ممارسة السلوك، فهي من توجه أبنائها في كيفية تنمية قيم الأخلاق في ذات الطفل من الفضيلة وفعل الخير والتسامح في نفوسهم . فان دوافع محبة الأم إلى أبنائها يقودها على الدوام بالتفكير في كيفية رسم الطريق السليم لهم ليكونوا بمستوى المسؤولية وان يسعوا في تنمية شخصيتهم بالعلم والمعرفة ليتم تعاملهم وانخراطهم في المجتمع بشكل سليم يسرهم بقدر ما يسرهم . ومن هذه الحقيقة فان المجتمعات الواعية تعتمد على قيمة وقوة أخلاق المرأة بكونها أساس الأخلاق في المجتمع، لان تأثير التربية التي تلقنها لأبنائها هي تجتمع في المحصلة الأخيرة في تصرف المجتمع برمته بكون المجتمع مكون من هؤلاء الأبناء ولكن بصورة اشمل، وهكذا يرتسم أخلاقها كتوجيه لصالح العام.
ومن هنا فان معالجة مشاكل المجتمع لا يمكن ان تتم دون معالجة مشاكل المرأة، ولما كانت المرأة في المجتمعات الشرقية تعيش تحت هيمنة الرجل وسلطته فان معالجة مشاكل المرأة لا يتم دون معالجة مشاكل الرجل، لأنه لا يمكن فصل جزء من حاله، وإنما يجب معالجة الحالة بمجملها دون تجزئة، فهناك دوما سبب ومسبب وأي اجتزاء للمشكلة حتما سيخلف وراءه خللا سلوكيا في فكر المعالجة.
فقيم الأخلاق والتربية، هي قيم عامة، لا تتجزأ ولا تحدد بالانضباط والتطبيق على جنس دون أخر، لأن مجموعة القيم تقوم لضبط سلوك الرجل والمرأة وفق الاحترام المتبادل وعلى أساس الحب والصدق والأمانة والرعاية والحماية و النزاهة والعدل والإنصاف والمساواة والتعاطف والتآخي والتعاون والنبل في التعامل، فهذه المنظومة الأخلاقية هي إنتاج الإنسانية يشترك فيها كلا الجنسين دون أي استثناء بغية تطويره، وان من شرعها هم إفراد المجتمع أنفسهم، بعد ان التمسوا منها نتائج ايجابية مبهرة في استقرار المجتمع وتنميته، دون تميز بين الجنسين ووضع فوارق بينهم، وان وجدت بعض من الانحرافات هناك وهناك، في بلا ادني شك، هي انحرافات فردية لا تدخل ضمن أسس لأي قاعدة بكونها حالات شاذة تحدث في كل المجتمعات ولا تحدد بمجتمع معين، بكون معيار الأخلاق يرتبط بالمساواة والعدل وبحقوق الإنسان والحرية . والحرية التي نطالبها يجب ان تفهم بحدودها مع الآخرين، لان مبدأ الحرية الشخصية يكمن مفهومه في فعل او تصرف يراه الفرد أكان رجل أو امرأة، بأنه نافعا له، في وقت الذي لا يترك وراءه أي ضرر بالمحيط الذي حوله، وان نطاق هذه الحرية تكمن في حرية الرأي والمعتقد و الملبس إلى أخره من الأمور الشخصية.
ومن هنا فان في مفهوم الحرية الشخصية، لا يوجد شيء اسمه حرام وحلال، لأنها مفاهيم نسبية، فما افعله قد لا يفعله الأخر باعتباره حرام، فهو حرام بمفهوم شخصي لا بمفهوم عام ، وهو موقف شخصي محض، لان الحرية بالمفهوم (فلسفة الأخلاق) يرتكز جوهرها في فعل الخير والشر ومكامنها تحدد في عدم اعتراض حق الإنسان بالحياة وإعاقته بفعل إجرامي تصادر حقه في الحياة والاستقرار كالقتل والظلم واسرقه ... الخ من أفعال الشر، بكون نظام الحياة المعمول منذ الأزل قائم على هذه القاعدة، فكل فعل نفع الإنسان هو (خير) وكل فعل يضره هو (شر)، ومن هذا المبدأ تتفرع الحرية الشخصية، إي إن ما يراه الإنسان نافعا له دون ان يترك فعله أي ضرر بالمحيط ، ولكن ما يلاحظ في عالمنا العربي بان إدراك مفهوم (الحرية الشخصية) يحصر فهمه وكأنها موجهة للرجل فحسب، او هكذا يحاولون فهمها وفي هذا الحدود، وبذلك فهي تلقى كل الدعم والمساندة من قبلهم، ولكن حينما يعم وجها لتشمل (المرأة) يصبح أمر (الحرية الشخصية) موضع شد وجذب ويلاقي الاعتراض بسبب ان الرجل العربي لا يزال ضحية إيديولوجية (ذكورية) بكون الثقافة العربية ما زالت غارقة في مناهج الدين التقليدي مصبوغة بمفاهيم الصبغة الذكورية، فجل المراسيم الدينية وإحكامها أتت مساندة وداعمة للرجل، بينما ما نلاحظه في هذه إيديولوجيه بان صورة (المرأة) ظل في التاريخ الديني مؤرخ من (السبي) الى (الجواري) الى غيرها من المفاهيم التي تحط من شأنها، ورغم التسليم بظرفها التاريخ و الزمان التي أتت فيه، الا ان مع مرور الوقت وتطور الحضارة وازدهارها وتنوعها المعرفي والعلمي لم يشهد واقع الحضارة العربي أي تغيير وظلت النظرة السلبية قائمة باتجاه (المرأة) لتصبح تلك الموقف البالية ثوابت في القانون الرسمي لأغلبية بلدان العربية، رغم ما حققته المرأة من انجازات وإبداعات وأظهرت قدرتها وتفوقها في كل ميادين الحياة، لا انه للأسف الشديد ظلت النظرة الدونية باتجاه المرأة الشرقية قائمه وبتصور منحط لا يخرج من تلك الأطر الدونية إلا وهو مفعم بالمفاهيم (جنسية) محضة، وبكون أي حديث عن (حرية المرأة) لا يتبادر في الذهن العربي سوى صورة (العري)...! او لنقل، مفهوما منحرفا عن كلمة (الحرية)، وما هذا الفهم إلا نتيجة لتسويف كل ما يتعلق بحقوق (المرأة) او لكل ما يتعلق بـ(المرأة ) في كونها جسدا لا غير، وأدى هذا بتعاقب و بمرور الزمن إلى إنتاج ( فرد عربي) ذو حساسية من أي دعوة لـ(حرية المرأة) بل تعدى الأمر ليسود هذا الشعور في المجتمع العربي كله، ولا احد ينكر اليوم بان المجتمعات العربية تواجه صبغة طاغية في تهميش (المرأة) و على كل الأصعدة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وحتى ثقافيا وتربويا، وذلك بحجم ما يرفع من الشعارات الدينية المصنعة بفعل فتاوى رجال الدين وهم أساسا غير مؤهلين فكريا وثقافيا وأدبيا وأخلاقيا واجتماعيا لذلك الفعل، ولا ننسى بان النظرة المجتمعية لـ(المرأة) ظلت أسيرة بالمفاهيم ذات الصبغة الجسدية لا يخرج أطرها من هذا الفهم الرجعي لدور المرأة في المجتمع ، بما الفته ورسخته التقاليد والأعراف والقبلية والفكر الديني الملتحم بهذه المحتويات، والتي للأسف زادت قوة للانضمام كلما زادت توترات في المنطقة العربية وما آلت إليه صورة الوضع السياسي من انتشار الفتن المذهبية لدرجة الاقتتال الطائفي الذي خلق جوا متوتر في عموم المنطقة، ليفرز هذا الوضع الشاذ تلك الصور اللا أخلاقية اتجاه (المرأة) وإعادة صياغة المفاهيم البالية في (سبي النساء) وانتهاك إعراضهن و جعلها متعة جنسية لمجاهد الإرهابي لترزخ تحت هيمنته وخدمته جنسيا فحسب، ليعيد لنا واقع المرحلة بصبغة (الذكورية) بأبشع صوره، بعد إن أعيد إنتاج تاريخ الدين بشكله المتخلف، بما افرز من هراء كلام قيل ويقال هنا وهناك بحق (المرأة) سلبا، بكون شعار الدين ظل كعادة ملصقا سياسيا متمحورا في كل طرح لتغطية مشاكل التي تتعرض لها المنطقة، وإذ ما تثير (المرأة الشرقية) قضية حقوقها في الحرية والعدالة والمساواة، فأنهم على الفور يعترضونها اعتراضا شديدا وقاسيا، هؤلاء المتثوبين بشعارات الدين، واضعين إياها في مواجهة مباشرة مع الشريعة ليثار عليها حنك المجتمع، وما انفك إي جهد للخلاص من سلوكيات هؤلاء و التي لا علاقة لها بحقيقة وجوهر الدين من شيء سوى مزيد من المعاناة ان لم يغطها الدين غطتها التقاليد والأعراف ليشدوا الخناق على حرية المرأة . بل يتعدى واقع (المرأة) اليوم بحجم نموا وتوسع قاعدة المتزمتين المتدينين بقيم منحرفة باليه، والذين ينظرون إلى المرأة بنظرة دونية ليست في نظرهم إلا جسدا، وأداة للمتعة، وجاريه فحسب...!
فان المرأة الشرقية لا محال تتعرض لتهديد كونها اليوم يستهدف جوهر إنسانيتها، إذ إن انحراف بعض منهن لا يعطي أي مبرر لتعميم الصورة لهن. أن المرأة ستبقى هي الأساس لا لكونهن نصف المجتمع فحسب، بل ان قيمة المجتمع لا يمكن اكتماله بدون المرأة بكونها جزء من مكون المجتمع ذاته، بل ان النصف الأخر من المجتمع نمى وتثقف وقوى ساعديه بفضل ما بذلته هذه المرأة في تربيتهم وتعليمهم ونشأتهم، والتي سهرت ليالي لكي يصلوا إلى مستوى الرفيعة من العلم والمعرفة، فالمرأة هي الأم ألصالحه و ألمربيه الفاضلة لها من رقة المشاعر وشفافية العواطف وعلم وتربية مما يساعدها على القيام بدور الأمومة بشكل سليم، إضافة إلى ما تمتلكه من قوة الإرادة، والوعي، وبإمكانها إن تضرب أروع الأمثلة في الصبر والشجاعة، أمام أصعب المواقف .
أن عفة المرأة لا تعني الانكفاء والانطواء، ولا تعني الجمود والإحجام عن تحمل المسؤولية، وممارسة دورها الاجتماعي. وعلى الرجل احترام حريتها كما تحترم حريته، دون نظر إليها كأداة للمتعة الجنسية فحسب،فمن حق المرأة ان ترتدي ما تريد وتقول ما تريد وتعبر عن رأيها وتعتقد، و ما ترغب في ارتداء الحجاب او لا، لان هذا شان شخصي وحرية شخصية عن قناعة، والمرأة التي لا ترتدي الحجاب لا يجوز إرغامها على ارتدائه لأنها لا تراه كذالك وفرض رأي على رأيها يتجاوز على حريتها.
ومن هنا يجب العمل الثوري لتخلص من أي نظرة متخلفة والتي تثار في هذا الواقع المرير الذي أعيد إنتاجه للأسف ظروف غير طبيعية مرت على المنطقة في غفلة من زمن.