السبت 20 إبريل 2024
منبر أنفاس

الحسين بوخرطة: المغرب "قنطرة" أساسية لتقوية التواصل ما بين الشمال وإفريقيا وحفظ الأمن والسلام في العالم

الحسين بوخرطة: المغرب "قنطرة" أساسية لتقوية التواصل ما بين الشمال وإفريقيا وحفظ الأمن والسلام في العالم

ما من شك، لقد أحدثت الجولة التي قام بها بان كي مون إلى تندوف والجزائر فضيحة عالمية مدوية نتيجة تجاوز شخص الأمين العام للأمم المتحدة لاختصاصاته ومهامه. كما استغرب المتتبعون لتجرؤ هذا الشخص، المعين في أعلى وظيفة في هذه المؤسسة، على التفوه بكلمة "احتلال"، دعمها بالإشارة الإصبعية بالانتصار والانحناء لعلم الجمهورية الوهمية. لقد تتالت ردود الأفعال الإقليمية والدولية المؤيدة للمغرب وحرصه الدائم على تحقيق التقدم الموضوعي في المفاوضات، والذي جسده في اقتراحه لمشروع الحكم الذاتي، المشروع الذي وصف بالجدي وذا مصداقية.  لقد اشتد الاستغراب في نفس الوقت على ما صدر عن الشخص المؤتمن على التسوية العادلة للقضايا والنزاعات في العالم.

للتذكير فقط، إن الانشغال الدائم لمؤسسة الأمم المتحدة عبر الفترات الانتدابية السابقة كان دائما هو حفظ الأمن والسلام في العالم من خلال الحرص الدائم على حل المشاكل والنزاعات بالطرق السلمية والاحتكام للمفاوضات السياسية للحيلولة دون السقوط في الصراعات الدموية والحروب. إنه انشغال خاضع لمنظور سياسي وقانوني متوافق بشأنه كونيا في إطار التطورات التي عرفها العالم منذ طي صفحة الحرب العالمية الثانية، تطورات فرضت توجهات عالمية على أساس الديمقراطية والانفتاح الاقتصادي وتشكيل المجموعات الاقتصادية وتفعيل الآليات المختلفة والمتعددة لتحقيق تناقح وتكامل وتصالح الثقافات والحضارات. إن الشغل الشاغل للدول العظمى اليوم هو محاربة التطرف بكل أشكاله، والذي تعتبره هاته الدول مجرد عواقب ثانوية لمسار التطورات التكنولوجية والاقتصادية العالمية. إنه بلا شك مسار، بأجندات جغرافية وزمنية، الغاية منه الوصول إلى الاستغلال الناجع للإمكانيات الطبيعية والاقتصادية والبشرية في دول الجنوب لصالح شعوبها. وهذا الهدف، المصرح به رسميا، لا يمكن بلوغه بدون المرور بمراحل تضمن ترحيل التنمية إلى الجنوب بصفة عامة، وإلى إفريقيا بصفة خاصة.

من المفروض أن يكون شخص الأمين العام على علم بهذه الأجندة بشقيها المصلحي والإنساني والإيديولوجي. فإذا كانت عملية ترحيل مقومات التنمية قد عرفت نوع من النجاح في اتجاه آسيا، النجاح الذي لعبت وتلعب فيه تركيا دورا رياديا، فإن تركيز دول الشمال على تحقيق نفس الترحيل إلى إفريقيا، لا يمكن أن يتجسد في الواقع بدون الاهتمام والإصرار على دعم المغرب في كل المجالات وتمكينه من الحسم النهائي في ملف وحدته الترابية. نستحضر هذا المعطى لنقول لبان كي مون أن الكل يعرف أن المغرب، دولة وشعبا، لا يدخر جهدا لبناء دولة ديمقراطية قوية قادرة على لعب الأدوار المنوطة بها أمميا. فالحرص المغربي للارتقاء إلى نموذج دولة مغاربية ديمقراطية قادرة على لعب دور الوساطة بجدارة واستحقاق لتحقيق التنمية في إفريقيا أصبح أمرا مؤكدا وواقعا. إنه الحرص للعب دور دولي في التنمية والقضاء على المسببات الحقيقية للتطرف بكل أشكاله. إن الحرص المغربي للوصول إلى هذه المرتبة، في إطار ثورة ملك وشعب بمقومات جديدة ومتجددة باستمرار، جعلت دول مجلس الأمن دائما تلتزم الحياد في ملف استكمال وحدته الترابية، ولم يسجل منذ عقود اتخاذ أي موقف منحاز لأي طرف من أطراف النزاع. أكثر من ذلك، لقد تم اعتبار مشروع الحكم الذاتي، المتناغم مع مجهود بناء الديمقراطية الترابية بالبلاد والتي وصلت اليوم إلى مستوى الجهوية الموسعة، مشروعا جادا وذا مصداقية. إنه المجهود المتواصل لجعل المغرب قنطرة للوصول إلى قارة فرص المستقبل بالنسبة لدول العالم الشمالي (إفريقيا)، وصول لتنميتها لتحقيق استقرار شعوبها، وحفظ الأمن والسلام بها، والحيلولة دون تصدير العنف من الجنوب إلى الشمال. إنه الوصول الذي سيمكن شعوب القارة السمراء من الاستفادة من التطور التكنولوجي العالمي في مجالات استغلال إمكانياتها ومواردها الطبيعية والمنجمية والبشرية. فالبحث عن موطئ قدم في إفريقيا لن يتأتى في إطار السلم والسلام والأمن بدون مغرب قوي ضامن لتفعيل برامج التعاون جنوب-جنوب. إن موقعه الاستراتيجي وعلاقاته القوية مع دول وشعوب غرب إفريقيا مكنته اليوم من التعبير على جدارته في لعب الدور المحوري في تنمية هذه القارة. لقد توغل اقتصاديا بهذه الدول في مجالات متعددة وعلى رأسها النقل والبنوك والعقار والتواصل.

دائما، في إطار هذا الطموح المدعوم بتراكمات ومكتسبات واضحة في كل المجالات، تمكن المغرب من التعبير عن التزاماته الدولية اتجاه دول الشمال من خلال نجاحه في التحكم في تدفقات المهاجرين الوافدين عليه من إفريقيا جنوب الصحراء والراغبين بالالتحاق بدول القارة العجوز عبر الشواطئ الإسبانية. إن الاستقرار المغربي، وتقدمه الديمقراطي، أكسبه مكانة بارزة في ملف الهجرة، مكانة بينت تميزه في محاربة هذه الظاهرة مقارنة مع منافذ الهجرة السرية المعروفة. أكثر من ذلك، لقد تحول ترابه إلى بلد استقرار بعدما كان بلد عبور في السابق.

والمغرب متناغم مع مطالبه الموضوعية، وجاد في مسعاه لتحقيق السلم والسلام في العالم، وحريص على لعب دور الوساطة الترابية لترحيل التنمية إلى إفريقيا.... لا يمكن له إلا أن يندد بالاستغلال اللامسؤول لبان كي مون لوظيفته بهذا الشكل غير المفهوم. لقد اختار بطواعية، وهو على رأس الأمم المتحدة، عرقلة المفاوضات بعدما فشل بمناوراته الغامضة من حلحلة هذا الملف طيلة ولايتين متتاليتين. لقد تجرأ على إصدار تصريحات لا سند لها، لا سياسي ولا قانوني، وسمح لنفسه أن يتحول إلى خصم مساند للمطالب الوهمية. لقد استقصد المس بمشاعر المغاربة من طنجة إلى لكويرة متجاهلا الجهات التي تساوم وترتزق بمعاناة المغاربة المحتجزين في تندوف.

وكيف ما كانت طبيعة التواطؤ ودوافعه، سيعتبر المغرب هذا الحدث مجرد سحابة عابرة مدافعا كالمعتاد على حق مواطنيه في تندوف في حرية التنقل والتعبير، ومتشبثا بحرصه الدائم على التقدم بالوتيرة المرسومة من طرف مؤسساته في أن يكون دائما في مستوى الالتزام بلعب الأدوار الأممية في مجالات التنمية وحفظ الأمن والسلم والسلام في العالم. لقد خرج الشعب المغربي في مسيرة مليونية للدفاع على قضاياه المشروعة ليبرهن للعالم مجددا عن قوة لحمته الوطنية، لحمة معتزة بمنجزات البلاد السياسية والاقتصادية والثقافية ولها ثقة كبيرة في المستقبل...