السبت 23 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

محمد ابراهيم الزموري: رسالة حقوقية إلى المرأة في ذكرى يومها العالمي

محمد ابراهيم الزموري: رسالة حقوقية إلى المرأة في ذكرى يومها العالمي

في ذكرى اليوم العالمي للمرأة، تشحد الأقلام وتنشط الصحف والمجلات والإصدارات في عرض قدراتها ومناقبها، كما تنخرط المرأة نفسها وفق وعي جمعي قاصر بالخروج في تظاهرات وتجمعات حاملة لافتة تؤكد وجودها الأساسي أو لتطالب بحق المساواة، وعند انتهاء الاحتفال العالمي وخلو المنابر والحناجر، تعود إلى بيتها لتعد وجبة العشاء لزوجها وأطفالها وهي منتشية بإنتصار وهمي، إنخرطت في تأثيثه بشعارات إعلامية، ضخم خلالها الحفل وغابت العروس.

سيدتي الرائعة أنت أكبر من أي شعارات واهية ترفع كل الثامن من مارس وتنتهي مع المغيب، و أكبر من تنظيمات و اتجاهات حاولت تحريف الطريق و المسلك نحو الهذف، كجمعيات "فيمن" مثلا، فإن كان النهج غير ميسر ومعبد للعبور، فهناك آليات وطرق أكثر شجاعة وقوة لتحصيل ما تطمحين إليه، ركزي على الحق السياسي وسوف تقرين أنت باقي الحقوق.

و عليه كان هذا المقال كمحاولة جادة لأبراز غموض المشهد.

فموضوع المشاركة السياسية للمرأة يكتسي أهمية كبرى، بإعتباره أحد أوجه المشاركة في عملية التنمية الشاملة والمستدامة، فالمرأة تشكل نصف المجتمع ومشاركتها في الحياة العامة مرتبط بالمجتمع الذي تتواجد فيه، والحديث عن مشاركتها لم يعد مجرد بحث عن حقوق على النمط الغربي أو بحثاً عن الترف، بل هو حتمية وضرورة ملحة يتعين التعامل معها، فمفهوم المشاركة السياسية يؤدي دوراً هاماً في تطوير آليات وقواعد الحكم الراشد كمفهوم بات قيد التداول السياسي في الوقت الراهن، ويحتل موضوع المشاركة السياسية للمرأة مركزاً هاماً في الدراسات بدول العالم الثالث بإعتبارها أكثر جهات العالم تهميشاً.

و لقد حفل التاريخ السياسي النسوي بنساء تركن بصماتهن على صفحاته على غرار: زنوبيا، شجرة الدر، بلقيس،دهيا الاوراسية، جان دارك، روزا لكسمبورغ...الخ، الا أنها بقيت حالات فردية لها ظروفها الخاصة و لم تعمم نجاحاتها على النساء بشكل عام، فيما بعد و بفعل التطورات الحاصلة في المجتمعات تم إقرار الحقوق السياسية للمرأة في مختلف الدساتير و المواثيق و الاتفاقيات الدولية، و على الرغم من ذلك فهو لم يشكل ضمانة كافية لمشاركة سياسية فعالة لاسيما في بعض المجتمعات التي شكل موروثها الثقافي عائقا دون ذلك.

ولا بد من التنويه إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد في بنوده على حقوق المرأة في المساواة وأعطى الطابع الدولي لحقوق الإنسان بالمعنى الأشمل، ليتسع ويشمل الاتفاقيات والمعاهدات والإعلانات والمبادئ التي تعمق حمايتها للحقوق، والتي من أبرزها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

حيث تتابعت المؤتمرات منذ مؤتمر المكسيك في سبعينيات القرن الماضي مروراً بمؤتمر المرأة في نيروبي عام 1985 وصولاً إلى مؤتمر بيكن عام 1995 الذي جاء فيه أن المساواة بين الرجل والمرأة هي قضية من قضايا حقوق الإنسان وشرط للعدالة الاجتماعية وهي أيضاً شرط مسبق وضروري وأساسي للمساواة والتنمية.

وقد حدد مؤتمر بيكن نسبة (31%) كحد أدنى مطلوب من الحكومات لزيادة مشاركة المرأة في مراكز صنع القرار، والمطلوب من الحكومات مراجعة التأثير المقيد للنظام الانتخابي في التمثيل السياسي للمرأة في الهيئات والنظر في تعديل هذه النظم، كما انتهت منظمة اليونسكو بعد مؤتمر الأمم المتحدة الرابع حول المرأة إلى سياسة واضحة في برنامجها من أجل تمكين المرأة في مجالات عديدة من الحياة أهمها التربية والتعليم والعمل.

و على الرغم من الاقرار بالحقوق السياسية الا أن ممارستها في معظم الدول العربية تعترضها معوقات جوهرية مرجعها نظام الاحزاب السياسية في بعض الدول نتيجة عدم تحمس الأحزاب و القوى السياسية لترشيح النساء في قوائمها، و الى سيطرة القبيلة و نظام الطوائف في دول أخرى، هذا اضافة الى ارتفاع نسبة الأمية في صفوف النساء، و التأثيرات السلبية للقيم و العادات المتراكمة التي أدت لعدم حصول المرأة على وضعها الذي تستحقه. و حتى بالنسبة للنساء اللواتي وصلن لسدة صنع القرار ضمن السلطة التنفيذية كوزيرات فكلهن يتحملن مسئوليات في وزارات ذات مهام اجتماعية مثل الأطفال و المعاقين...الخ، و هي امتداد لوظائفهن التقليدية كربات بيوت و أمهات.

و بالتالي ادعوا الى تفعيل التدابير الاستثنائية حسبما جاء في الفصل الرابع من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز المسلط على المرأة و الذي أقر أنه: " لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل و المرأة و تمييزا بالمعنى الذي تأخد به هذه الاتفاقية، و لكنه يجب أن لايستتبع على أي نحو الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص و المعاملة..."، و توسيع نظام "الكوتا"  بزيادة نسبة تمثيل النساء في المجالس المنتخبة بإعتباره حل مؤقت يعالج المشكلات الخاصة بمشاركة النساء سياسيا، حتى يتعود العقل الجمعي و الوعي الذكوري بأهمية دور المرأة في الحياة السياسية و مسالك صنع القرار.

فإذا كان النضال حق مشروع لاسترداد الحقوق فلا بد أن تتوحد الجهود ما بين النساء في التشكيلات المجتمعية المختلفة للمناداة بالحقوق السياسية وترسيخها، إذ هي البوابة الحقيقية للمواطنة الكاملة، والمنفذ الوحيد لإقرار الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وتعديل التشريعات بما يتواءم ووضع المرأة الحالي.

ودامت أفراح نساء العالم مستمرة.