ما حدث لرئيس الحكومة بمدينة وجدة درس لرئيس الحكومة ولمقام رئاسة الحكومة. بنكيران يروج هو وأتباعه، ومعه "الطبالجية"، على أن شعبيته كبيرة وأن الشعب يحبه. ما حدث يؤكد قاعدة ثابتة هو أن هناك جمهورا من الناخبين يساندون بنكيران وأن هناك آلاف مؤلفة لا تحبه ولا يعني ذلك أنها تكرهه. فالكثير من المواطنين، من فئات اجتماعية مختلفة، تزعجها سياسة بنكيران وهذا ما ينبغي أن يستوعبه لكنه ما زال يعاند الواقع.
بنكيران أساء لنفسه وأساء لمقام رئاسة الحكومة، لأن الشعبوية لا تنفع في هذا الموقع. تفيد الشعبوية زعيم الحزب السياسي وبما انه اختار أن يجمع بينهما فما عليه سوى التعامل بمنطق رئيس الحكومة، الذي ينبغي أن يحافظ على هيبة المؤسسة التي يمثلها. قديما رووا قصة أن أحد أولياء الله الصالحين كان يعتقد أن الأطفال يحترمونه ويحبونه، ذات يوم تجرأ وخرب لعبتهم فرموه بالحجر. فقال: كنت مخطئا فأنا الذي كنت أحترم نفسي وليس الأطفال.
فالشعب يحترم مقام رئاسة الحكومة عندما يحترم رئيس الحكومة مقامها، لكن لما ينزل بها إلى الحضيض فسيسمع ما لا يرضيه.
ما وقع لبنكيران في وجدة هو نتيجة لتصرفات بنكيران، التي لم تترك حرمة لرئاسة الحكومة، فشرع الناس في المطالبة برحيله عن طريق الشارع وليس عن طريق صناديق الاقتراع. هو عاد لو اعترف بنكيران أن هناك من يسانده وهناك من يعارض سياساته. لكن غير العادي فيما حدث هو استنجاد بنكيران بالدولة. رئيس الحكومة قال للجنة التنظيمية "عيطوا ليهم على الدولة"، "وا جيبو سيكوريتي".
لابد من الوقوف طويلا عند هذا المعطى. وبما أن الحيز هو افتتاحية فإننا نعرج بسرعة تاركين للباحثين في علم النفس السياسي دراسة سلوك بنكيران. ما معنى الدولة في الخلفية التي تحكم بنكيران؟
ما قاله بنكيران يفيد شيئا واحد: أن بنكيران لا يعتبر نفسه جزءا من الدولة. فالزعيم الإسلامي هو رئيس الحكومة ومؤسسة الحكومة جزء من الدولة بل إن أدوات الدولة موضوعة رهن إشارتها لتحقيق أهدافها. بنكيران يقصد هنا بالدولة "البوليس". أليس المدير العام للأمن الوطني يتم تعيينه باقتراح من رئيس الحكومة وبمبادرة من وزير الداخلية بمعنى أن "البوليس" كأداة هو أيضا موضوع رهن إشارة بنكيران.
فالدولة خصصت حراسة كبيرة لبنكيران، ويمكن ملاحظة ذلك بباب منزله، كما خصصت له حراسة شخصية مهمة أيضا تليق بمقام رئيس الحكومة، وهي كلها حراسة مؤداة من خزينة الدولة أي من جيوب المواطنين. أليس هؤلاء هم "الدولة" التي طلبها بنكيران؟
بنكيران ما زال يمارس تدبير الشأن العام من خلال الحكومة ويعتقد أنه خارج الدولة، أو أن الحكومة جزيرة منفصلة عن الدولة وليست واحدة من مؤسساتها المتعددة. لقد عاش بنكيران على هامش الدولة مستمسكا بحركته الدينية طامعا في الوصال مع الدولة ولو من خلال أصغر موظف فيها حتى لو كان ضابط شرطة.
ولما أصبح رئيسا للحكومة وقع له مثلما يقع للبدوي الذي وضعوه وسط مدينة راقية. فهو مسرور برئاسة الحكومة لكنه ما زال يحن إلى العهد الذي كان أقصى أمانيه لقاء الضابط المذكور ولهذا نسي أن رئاسة الحكومة جزء من الدولة وأن أدوات الدولة موضوعة دستوريا تحت تصرف الحكومة.
