الاثنين 20 مايو 2024
سياسة

أحمد العطار :إن فكرة العداء والتصادم بين الدين والفلسفة ليست من أغراض الدرس الفلسفي

 
 
أحمد العطار :إن فكرة العداء والتصادم بين الدين والفلسفة ليست من أغراض الدرس الفلسفي

خلال  المجلس الوزاري الأخير المنعقد بالعيون بعث الملك إشارات قوية مؤكدا على أن الإنفتاح والتواصل لا يعني الإستيلاب والإنجرار وراء الآخر  كما لا يعني أيضا التزمت والإنغلاق  ودعا إلى التربية على القيم الإسلامية السمحة الداعية إلى الوسطية والإعتدال والتسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات.والواقع أن  المسألة التعليمية تعرف تجاذبات على عدة مستويات بين   أنصار كل من  العربية  ودعاة الفرنسية من جهة  و من جهة أخرى بين مدرسي التربية الإسلامية الذين يزعمون بأن مادة الفلسفة تحرض على التمرد والإلحاد  و مدرسي الفلسفة الذين من جهتهم يرون أن  التربية الإسلامية تميل إلى التشدد والتطرف."أنفاس بريس" طرحت الموضوع للنقاش على مختلف الأطراف وتوصلت في هذا الإطار برأي أحمد العطار أستاذ الفلسفة الذي جاء كالتالي :

خلافا لما قد يعتقد البعض عن كون الدرس الفلسفي يسعى إلى إثارة قلاقل لدى المتعلم تتعلق بجره إلى تبني نزوعات تطرفية أو الحادية. يمكن توضيح هذه النقطة بالقول إن من الأهداف الأساسية للدرس الفلسفي - انطلاقا من المقررات الحالية في السلك الثانوي - تتجلى في إذكاء الروح النقدية لدى التلميذ و التي تسمح له بفحص المعرفة العامية و بادئ الرأي و تكوين تصورات عقلانية حول المواضيع التي يتم تدارسها. إضافة إلى تسليح المتعلم بالسؤال الذي يجعله قادرا على فحص البديهيات المسلم بها من طرف عامة الناس التي يتم توارثها من خلال تقليد الآخرين فقط . و إقداره على استعمال العقل في التحليل و التركيب .

كما يمكن الإشارة إلى أن موضوعة الدين مثلا لا تتم إثارتها مع التلاميذ إلا من خلال العلاقة التوافقية بين الفلسفة و الدين انطلاقا من نموذج الفيلسوف العربي "ابن رشد" الذي واجه بدوره تضييقا من طرف فقهاء عصره و تم توجيه تهم له تتعلق باشتغاله بشرح الفلسفة اليونانية المتمثلة في أرسطو مما اضطره في كتاب " فصل المقال مابين الحكمة و الشريعة من اتصال " إلى  الدفاع عن الفلسفة انطلاقا من الشرع نفسه من خلال تبيان أنهما معا يدعوان إلى استعمال العقل و القياس و ان لهما نفس الهدف و الغاية وهي النظر و البحث في الموجودات لدلالتها على الصانع أي الخالق مستشهدا بنصوص قرآنية تدعو إلى التدبر و التعقل ، دون أن يغفل اختلافهما على صعيد المنهج المتبع في الفكر الديني الذي يقوم على الإيمان كمنطلق و أساس معتمدا المنهج الخطابي ، والتفكير الفلسفي الذي يتأسس على المنهج البرهاني و على التحليل و النقد و الذي يهدف إلى بناء تصورات تأملية و تركيبية متماسكة و متناسقة  . فابن رشد لا يرى أن هناك تضاداً بين البرهان الفلسفي والنص الديني، إذ كلاهما عنده حق، ولا بد أن يشهد أحدهما للآخر ، و " الحق لا يضاد الحق بل يوافقه و يشهد له " و بتعبير أخر يقول : " إن الحكمة هي صاحبة الشريعة والأُخت الرضيعة.. وهما الـمصطحبتان بالجوهر والغريزة "."

من هنا يتضح إن فكرة العداء أو التصادم بين الفلسفة و الدين ليست من أغراض الدرس الفلسفي. و إنما هي  نتيجة بعض الأفهام الفقهية أو الفلسفية السطحية التي لا مجال لإثارتها مع تلاميذ يسعون إلى بناء معرفية شمولية و كونية  تغرف من كل القيم الإنسانية الأخلاقية و المنطقية و الجمالية .