الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

يوسف المساتي: المساواة في الإرث بين السياسات العمومية والنصوص الدينية 1- أسئلة وتساؤلات على هامش تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان

يوسف المساتي: المساواة في الإرث بين السياسات العمومية والنصوص الدينية 1- أسئلة وتساؤلات على هامش تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان

هذه المقالة هي جزء من سلسلة مقالات أعتبرها بمثابة مدخل فقط لمحاولة الإحاطة بالإشكاليات المرتبطة بالإرث، في علاقتها بالسياسات العمومية من جهة، وبالنصوص الدينية المؤطرة للميراث من جهة أخرى.

ورغم ما تطرحه محاولة التطرق إلى هذا الموضوع من إشكاليات عديدة بسبب تعقد مستويات وزوايا النظر إلى الموضوع، إلى أنني سأخوض غمارها على أمل المساهمة في فتح نقاش جدي وحقيقي، بعيدا عن المزايدات السياسية التي تهدف في مجملها إلى صب الزيت على النار من خلال التجييش والتحريض والتعبئة.

وهنا، وقبل الدخول في صلب الموضوع، أعتقد أنه لا بد أن أعرج على النقاشات التي تفجرت، ولازالت كثير من تداعياتها مستمرة، عقب التوصيات الأخيرة التي أصدرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره الصادر يوم 20 أكتوبر 2015 حول وضعية المساواة والمناصفة في المغرب، والتي قال في إحداها بضرورة تفعيل المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، من خلال تعديل مدونة الأسرة والمساواة في مجموعة من الحقوق ومن بينها الإرث.

لقد أثارت هذه التوصية بالضبط ضجة كبيرة، رغم ورودها من بين 96 توصية أخرى تضمنها التقرير، ولعل هذا ما يجعلني أتساءل عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الزوبعة المثارة، وهل أتت لتعويم النقاش الجدي والاشكاليات الحقيقية التي طرحها التقرير؟ أم أنها محاولة للشحن والتحريض ضد تيار معين؟ أم أنها ترتبط بمستويات وأبعاد أخرى؟ ولماذا تم الاقتصار بالضبط على اختصار التوصية وكأنها تدعو للمساواة بين الرجل والمرأة في الإرث؟.

هذا، على الرغم من أن قوانين الإرث تعرف مجموعة من الإشكالات لا تقل أهمية عن إشكالية المساواة، ومنها على الخصوص وراثة غير المسلم والأجنبي، ووراثة الأبناء من العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، وغيرها من القضايا، التي وبفعل عوامل عديدة -سنتوقف عندها في مقالات لاحقة- ستصبح إشكاليات حقيقية إن لم تتم معالجتها من خلال مقاربة جريئة، تنهل من المرجعية الكونية لحقوق الإنسان، ومن الغايات السامية للشريعة الإسلامية، ألا يؤشر هذا التركيز على المرأة والمساواة على وجود هاجس أو حساسية مضمرة عند محركي هذه الهجومات من كل ما يتعلق بالمرأة والثروة؟.

لست هنا إزاء قراءة للنوايا أو محاكمة لها، بيد أنه يحق لي اليوم التساؤل عن سر هذه الضجة، والحملة المثارة حول "جزء" من توصية من أصل 96 توصية جاء بها التقرير لدرجة أن رئيس الحكومة –المفترض أنه المسؤول عن تنفيذ السياسات العمومية- سيخرج لانتقادها ومطالبة المجلس الوطني لحقوق الانسان بالاعتذار للشعب المغربي، وسيتم تجييش نواب الحزب وأعضائه وأقلامه ضد المجلس، وتمادى بعضهم في إلصاق الاتهامات بهذه المؤسسة، وصل أحدها إلى اتهامه بأنه يحاول من خلال توصيته تغيير طبيعة بنية النظام السياسي، إذ ومن خلال هذه التوصية سيصبح من حق الإناث وراثة الحكم، وهو ما يمس جوهر نظام الحكم في المغرب !؟.

وقد تجاهل أصحاب هذا الاتهام أنه ثمة فرق شاسع بين الإرث وبين الإمامة، وإلى أن ولاية العهد لا تنطبق عليها أحكام الميراث، وأنه لا قياس مع وجود الفارق طبقا للقاعدة الشهيرة، وإلى أن ولاية العهد مرتبطة بالبكورية في السن، مع إمكانية اختيار الملك لولي العهد من غير ابنه البكر، فهل يجهل أصحاب هذا الاتهام كل هذه المعطيات وهم يسوقون اتهامهم –الذي لا يخلو من سخافة- أم أنه يدخل في سياق المزايدات الهادفة إلى التشويش على النقاش الفعلي حول موضوع المساواة، واقحاما للمؤسسة الملكية في نقاش بعيد كل البعد عنها، وتصوير وكأن الأمر يهدد ثوابت البلاد.

أما آخرون، فقد ذهبوا إلى أنه ليس من صلاحية المجلس الوطني لحقوق الانسان إصدار هذه التوصية لأنها تتنافى مع اختصاصاته، وهذا جهل بين، إذ ورد في المادة 13 من ظهير تأسيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان "يتولى المجلس بحث ودراسة ملاءمة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبالقانون الدولي الإنساني، التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها، وكذا في ضوء الملاحظات الختامية، والتوصيات الصادرة عن أجهزة المعاهدات الأممية الخاصة بالتقارير المقدمة لها من لدن الحكومة.

يقترح المجلس كل توصية يراها مناسبة في هذا الشأن، ويرفعها إلى السلطات الحكومية المختصة." وهذا ما يعني أن المجلس لم يمارس سوى اختصاصاته القانونية، وأن هذا التقرير ككل يدخل في صلبها.

إن كل هذه الضجة المثارة حول جزء من هذه التوصية من توصيات المجلس الوطني لحقوق الانسان الداخلة في صلب اختصاصاته، لتجعلني أتساءل عن سرها وسر هذه الحملة الشرسة والتجييش المرافق لها، والذي وصل إلى درجة صنع التقاطبات الحادة، وتصوير الأمر وكأنه مؤامرة على البلاد والهوية، وهو خطاب تكفير وتخوين مضمرين، لابد من التحذير من خطورته على المدى البعيد، خاصة، مع ما يحفل به من شرعنة للعنف تحت اسم حماية الخصوصيات والهوية...الخ، وإشعال للفتنة تحت مسمى الدفاع عنها، وتكريس للجمود، وإجهاض للنقاشات الجادة والحقيقية، تحت مسميات الأغلبية والشرعية، في عملية سطو علنية على العمق الحقيقي للديمقراطية.

وصفوة القول، أنه إذا كان من حق أي طرف أن ينتقد أو يتحفظ على توصية أو قانون أو أداء مؤسسة، فإنه ليس من حق أحد أن يدعي تمثيله ودفاعه عن الشرعية السياسية والدينية والشعبية، وإخراجه لسلاح التخوين والتكفير –وان بشكل مضمر- وتجييش الرأي العام وتعبئته في محاولة لإجهاض حق الطرف الآخر في التعبير، لأنه حتى اذا ما افترضنا أن الديمقراطية هي حكم الأغلبية –وهو التعريف البسيط والمفضل لدى الحركات الاسلامية لارتباطه ربما بالغلبة والتغلب- إلا أنها أيضا هي ضمان حق الاقلية –اذا جاز ان نتحدث هنا عن الاقلية وهذا محل نظر-  في التعبير عن آرائها، وهذا ما يعني الحق في فتح نقاش المساواة في الإرث بعيدا عن أي محاولات لاحتواء النقاش وتعويمه.

أما إذا كان الأمر داخلا ضمن التزامات المغرب الدولية، وفي نطاق السياسات العمومية الرسمية فإنه يصبح للأمر أبعاد أخرى سنناقشها في المقال القادم.