لقد سبق لي وأن رأيت فيلم الزفت للمخرج الطيب الصديقي رحمه الله في الثمانينات من القرن الماضي. وكان ذلك برفقة مهندس خريج مدرسة القناطر والطرق الذي شرح لي لقطة خاصة بإنجاز الطريق السيار الدار البيضاء – الرباط وحول ما يقال عن كون مديرية الطرق آنذاك استندت على الدراسات التي أنجزها الفرنسيون في الخمسينيات.
وكيفما كان الحال، يلاحظ أن هذه الطريق السيار التي أنجزتها مقاولات مغربية صمدت بالمقارنة مع ما أنجز مؤخرا.
وبعدما سمعت خبر موت المرحوم الطيب الصديقي، كنت أنتظر من التلفزة الوطنية برمجة فيلم الزفت أو مسرحية الحراز تكريما للمرحوم، فإذا بي أرى نفس الفيلم لكن على أرض الواقع من مخرج الشاب عبدالرحمان المكراوي خريج جمعة سحايم والذي جال العالم عبر يوتوب. إنه يستحق الأسكارات والأوسمة.
إن فيلم الزفت نسخة 2016 يستحق فعلا الأسكارات العالمية لأنه نابع من الواقع المر الذي يعيشه المواطن ويتنكر له السياسي الذي، إذا كانت الوقائع جيدة فإنه له ويتبناها ويفتخر بها ضمن إنجازاته وحصيلته السياسية. وإذا كانت سيئة تنكر لها وبخث عن حجام يعلقه لسقوط صومعة. لأنه نت السهل على السياسي البحث عن حلاق ولو في درب الفقراءيحمله مسؤولية ما وقع بسبب إهمال وغش المسؤولين الحقيقين.
إن الشاب عبدالرحمان المكراوي المخرج لفيلم الزفت نسخة 2016، منطلقا من الحقيقة والواقع وليس من الخيال، برهن لنا لماذا طرقنا وقناطرنا تنهار وكأنها مصنوعة من ورق أو من عجين. فإن الشاب عبدالرحمان المكراوي، وبدون الاستعانة بالمختبرات المختصة، أكد أن الغش قد تجاوز حدود الجودة المقبولة إلى مرحلة "كور وعطي لعور".
وعوض أن يتحمل وزير التجهيز والنقل واللوجستيك مسؤوليته بصفته الوزير المكلف بكل ما يتعلق بالبنية التحتية بأرض المملكة كلها وبدون استثناء من تشريع، ومن إنجاز القوانين والضوابط والدراسات التقنية، ومن تأهيل مكاتب الدراسات ومكاتب المراقبة والمختبرات التقنية والمقاولات، خرج عن صمته ليرمي بالمسؤولية على الآخرين.
إن المسؤولية طبعا مشتركة. لكن، إذا كان المهندس العمومي هو المسؤول على المرفق العمومي وعلى البنية التحتية بالمدينة (المديريات الإقليمية للتجهيز والنقل)، وبالجهة (المديريات الجهوية للتجهيز والنقل)، وعلى صعيد المملكة ابتداءا من مديرية الطرق إلى وزير التجهيز والنقل واللوجستيك لا يقفون لمثل هذه الخروقات المتعلقة بهشاشة الطرق والقناطر ويتنكرون لمسؤولياتهم. فما الغاية من خلق مثل هذه المديريات. والم الغاية من خلق نظام تأهيل ومراقبة المقاولات والمختبرات ومكاتب الدراسات...
وللتذكير، فعندما سقط مؤخرا جزء من قنطرة لم يمر عن إنجازها بضعة أشهر، سارع وزير التجهيز والنقل واللوجستيك إلى التهرب من المسؤولية بالقول إن الوزارة لم تتسلم بعد الصفقة المتعلقة ببناء القنطرة رغم أنها فتحت للعموم. حيث أنه بمجرد فتح مرفق عمومي أو بنية تحتية للعلوم، فهذا بمثابة تسليم المرفق. اللهم إذا كانت هناك حسابات سياسية أو انتخابية. إنه بالنسبة لهذه القنطرة، حسب ما حاول شرحه لي أحد المهندسين بعدما فحص الصور المتعلقة بها، فقد يكون سبب الانهيار فتح القنطرة قبل إنجاز الحواجز الأمنية الجانبية للقنطرة. وهذا أمر غير مقبول حسب هذا المهندس.
إنه قبل القبض على مخرج فيلم الزفت في نسخة 2016، كان على المسؤولين عن قطاع البنية التحتية تحمل مسؤولياتهم أولا وقبل كل شيء.