الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: من له إرادة في فسخ عقد العدالة الانتقالية؟

مصطفى المنوزي: من له إرادة في فسخ عقد العدالة الانتقالية؟

منذ صغري وأنا من هواة جمع صور الفنانين والممثلين بكل الألوان ومن كل الجنسيات، خاصة أصحاب البطولات.. راكمت ألبومات كثيرة، ولكن لم أبلغ عدد الأبطال حقيقة الذين يسكنون غرف بيتنا وقلوب الجماهير وسجون النظام البائد. كان العدد يتزايد ويتضاعف لوحده دون تدخل مني، فالوطن ولاد رغم عقر ثقافة الاعتراف.

يشاع أن أبطال وطننا الحبيب بلا مجد.. إن العكس صحيح، لهم المجد والخلود، اللهم إذا كان المقصود أنهم عراة من أي أسطرة وتمجيد افتعالي. لذلك فعندما نخلد ذكرياتهم فلكي نستخلص العبر من سيرهم وسلوكاتهم النضالية، دون أن نملك الحق في استعمال أسمائهم وصورهم حطبا لإحراق سمعة الوطن والحزب، قربانا لجبروت الجلاد. فكم من صورة للشهداء معلقة على جدران صدئة، في مقرات مغلقة، لا يسكنها سوى العناكب تطوق بظلالها الأحلام، والشرنقات تزين الأعناق وتخنق الأمل في العناق. ومن حسن حظنا أننا ننشد الأرواح لا الأطياف، نعانقها بدل الأجساد، ضدا على مأسسة النسيان. فلنحفظ ذاكرتنا الوطنية رغم البهتان الثقافي والمسخ السياسي.. لقد ولى عهد تجار البندقية مع انهيار أساطير النبوة الخالدة منذ تجمعت نبوءة الرأسمال المتوحش والعقل الأمني، شراكة، في رأس عرابي السلم الاجتماعي القسري .

ويوم أمس التأمت أسر ضحايا الاختفاء القسري وذوي حقوق المجهولي المصير، ليجددوا هياكل تنسيقيتهم المنضوية تحت لواء المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، ومن خلاله تجديد النفس الحقوقي، مؤكدين تشبث الجميع بالوحدة والتضامن والصمود ومقاومة كل أشكال التقصير والتهاون والتراخي والمساومة في القضية.. وهو ما أعطي القوة لشرعية رفض رغبة ما تتبلور لإغلاق مسلسل الحقيقة والكشف عن المصائر.. هذه الرغبة التي لن نتركها تتحول، سياسيا، إلى إرادة، مادامت الحقيقة الوطنية عالقة. وفي هذا اعتبرنا أن أية توصية من قبل المجلس الوطني لحقوق الانسان بالإغلاق، بمثابة تواطئ فاضح. فكيف لهم أن يوصوا بالإغلاق دون تعليل مقنع وشافي تجاه الضحايا والتاريخ الوطني، اللهم إذا كانوا يملكون الشجاعة الكافية للإفصاح صراحة عن مناهضي الحقيقة والممتنعين عن التعاون في تمكين الوطن من أرشيف الوقائع؟

إن ظروف الإغلاق غير متوفرة بتاتا، مادام مسلسل العدالة الانتقالية لم يكتمل، ليس فقط لأن المصائر لم تكتشف ولم يكشف عنها، ولكن أيضا لأن ضمانات عدم التكرار لم تسن تشريعيا، وعلى الخصوص فيما يرتبط بالحكامة الأمنية والأمن القضائي واستقلال السلطة القضائية وتقرير استراتيجية عدم الإفلات من العقاب .

صحيح أن هناك رغبة لدى الدولة في القطع مع الماضي الذي لا يريده البعض أن يمضي.. ولكن هل يكفي ذلك دون أن تتحول الرغبة أو النية إلى إرادة سياسية تجعل من الحقيقة رافعة للمضي نحو المستقبل. فهل نكون في مستوى المنعطف والظرفية بتوفير البيئة الحقوقية الملائمة، ولتكن كل المقاربات والإجراءات تشاركية.. وأول الخطو تكريس مطلب الحق في معرفة الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وإلغاء المادة السادسة من قانون حماية العسكريين الذي يمنع هؤلاء من الإفصاح والبوح عن ما جرى، إنقاذا للحيوات البشرية وماء وجه الوطن الذي لن يوفره أي نهر أو قدر.