الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
اقتصاد

د. علي المدرعي: الحكومة تحارب الجفاف بطرق سطحية والحل هو خلق هيأة بهذه المواصفات

د. علي المدرعي: الحكومة تحارب الجفاف بطرق سطحية والحل هو خلق هيأة بهذه المواصفات

في حوارمع "أنفاس بريس" مع الدكتور علي المدرعي، الفاعل الجمعوي والمتتبع للشأن الوطني عامة و الميدان الفلاحي بالمغرب خاصة، قال: " أنه حان الوقت للتعامل مع ظاهرة الجفاف بطريقة عقلانية وبمسؤولية رزينة لمواجهة كل الاحتمالات التي تمس أمننا الغذائي والاجتماعي" . وأكد على أن الأمر يستدعي إحداث هيئة وطنية للتغيرات المناخية تابعة لرئاسة الحكومة تتوفر على الصفة الاستشارية والتنفيذية وتنسيق جهود جميع القطاعات الحكومية تضم علماء ومختصين لوضع استراتيجيات وتسطر قوانين وتخطط لبرامج كفيلة بمواجهة الأثار السلبية الناتجة عن التقلبات المناخية كيف ما كان نوعها ( جفاف أو فيضانات ...).

ـ هل من تفسير لظاهرة التقلبات المناخية وشبح الجفاف بالمغرب ؟

يجب التأكيد على أن مشكل الجفاف بالمغرب لم يعد حدثا مناخيا استثنائيا بل هو مشكل بنيوي مرتبط بالتغيرات المناخية على اعتبار أن المغرب يوجد في المنطقة الحمراء الأكثر تعرض لهذه التغيرات سواء تعلق الأمر بموجات الجفاف أو ظاهرة الفيضانات ، لذلك وجب الاستعداد لمواجهة القلة والوفرة وفي أحيان كثيرة يكون التعامل مع الوفرة أصعب ولنا في فاجعة فيضانات كلميم أكبر دليل على ذلك.

ـ كيف تقرأ تعامل المسئولين مع مثل هذه الظواهر ؟

السياسات الحكومية لمواجهة الجفاف ظلت محدودة يغيب فيها التنسيق بين القطاعات الحكومية من خلال إعداد برنامج استراتيجي وطني ينزل على المستوى الجهوي والمحلي تتحمل فيه الحكومة المسئولية السياسية وينخرط فيه الكل حسب درجة ارتباطه بالموضوع ( وزارة الفلاحة ـ الوزارة المكلفة بالماء ـ الوزارة المكلفة بالبيئة ـ المياه والغابات ـ وزارة الصحة ـ وزارة السياحة ـ وزارة الداخلية ....) .

ـ هل تتوفر الحكومة على مخطط ودراسة ميدانية لمواجهة الجفاف ؟

طبعا عندما نتكلم عن برنامج وطني مندمج واستراتيجي لا بد من التوفر على دراسات دقيقة لظاهرة التغيرات المناخية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ( دائما في إطار استحضار القلة والوفرة ) إلا أنه وللأسف الشديد ظلت هذه الدراسات محصورة في أوساط المختصين والأكاديميينولا تأخذ بعين الاعتبار من طرف المسؤولين السياسيين في بلد أكثر من نصف سكانه مرتبط ارتباط مباشر بالمجال البيئي .

ـ إذن المجال البيئي أساسي في التخطيط ؟

أكيد ، فالأمن الغذائي لأي بلد مرتبط أساسا بمجاله البيئي وأحد المرتكزات الاساسية للسلم والأمن الاجتماعي هو الأمن الغذائي بالضرورة دون أن ننسى ما تتعرض له المجالات الغابوية وسواحلنا الشاطئية من نهب وتدمير بالإضافة إلى ما تشكله ظاهرة التصحر من مخاطر بيئية .

ـ ما هي القطاعات المدعوة اليوم للتنسيق والتخطيط ؟

عودة للقطاعات الحكومية نطرح السؤال التالي هل أعدت مثلا وزارة الصحة برنامجا متكاملا لمواجهة آثار الجفاف ونحن نعرف الأمراض التي تنتشر بسرعة بسبب قلة التساقطات المطرية ومدى خطورة ظهور هذه الأمراض لا قدر الله على القطاع السياحي.

إذن فالاعتقاد بأن محاربة الجفاف تنحصر في توزيع الأعلاف على الفلاحين وخلق بعض فرص الشغل الموسمية في البوادي هو اعتقاد خاطئ ينم عن نظرة سطحية للموضوع هذا طبعا إذا افترضنا أن هذه البرامج على هزالتها ستطبعها الشفافية ولن تتعرض للاستغلال السياسوي في حملة انتخابية بدأت بوادرها تلوح في الأفق من الآن.

من المفروض الآن إعداد برنامج ومخطط وطني شامل بإشراك جميع القطاعات المعنية كما ذكرنا سابقا على المستوى القريب والمتوسط والبعيد مع أخذ بعين الاعتبار احتمال استمرار ظاهرة الجفاف بالنسبة للسنوات المقبلة أو إذا تعرضت بعض المناطق للفيضانات. ونسائل أنفسنا كيف سنتعامل مع مواردنا المائية ..؟ هل سننكب على بناء سدود جديدة أو نتجه صوب تحلية مياه البحر رغم كلفتها المرتفعة ؟ والسؤال الأكثر أهمية هو ما هو تأثير برنامج المخطط الأخضر على الفرشة المائية ( سوس ماسة نموذجا ) ؟ هذه مجرد أمثلة لأسئلة يجب طرحها والإجابة عليها بدقة دون أن نغفل سؤال المرحلة وهو هل 5 ملايير درهم كافية لمواجهة جفاف سنة 2016 أم لا وعلى أي أساس تم رصد هذا المبلغ ؟ وهل سيتم استغلال هذه الفرصة لرفع التهميش عن الجماعات القروية النائية والفقيرة وتقوية بنيتها التحتية وتأهيلها اقتصاديا واجتماعيا بمشاريع مذرة للدخل ومنتجة للثروة تضمن كرامة المواطن القروي والفلاح البسيط بصفة عامة وتفادي عقلية الصدقة والإحسان والبرامج الفارغة التي تختفي بمجرد إطفاء كاميرات التلفزة .

 

- هل من اقتراح عملي لمواجهة ظاهرة التقلبات المناخية ؟

يجب التأكيد على أنشبح الجفاف بالمغرب يمكن أن يتحول إلى عامل إيجابي عن طريق التأقلم مع الظاهرة بالعمل المعقلن والرزين لمواجهتها سواء في السنة المقبلة أو بعد عشرة سنوات أو عشرين سنة ولن يتأتى هذا إلا من خلال إحداث هيئة وطنية للتغيرات المناخية تابعة لرئاسة الحكومة تتوفر على الصفة الاستشارية والتنفيذية وتنسيق جهود جميع القطاعات الحكومية تضم علماء ومختصين لوضع استراتيجيات وتسطر قوانين وتخطط لبرامج كفيلة بمواجهة الأثار السلبية الناتجة عن التقلبات المناخية كيف ما كان نوعها ( جفاف أو فيضانات ...)على مستوى كافة التراب الوطني .

ـ الحديث عن ظاهرة الجفاف يجرنا إلى نقاش الفرشة المائية بالمغرب، ما هو تقييمك للوضعية المائية ؟

هذا صحيح ينبغي إعادة النظر في التعامل مع الثروة المائية في المغرب وكما تعلمون يتوفر المغرب على 1,5 مليون هكتار من الأراضي الزراعية المسقية و 8 مليون هكتار من الأراضي الزراعية البورية حيث يتم استغلال 14 مليار متر مكعب من مياه السدود و 8 مليار متر مكعب من المياه الجوفية ، وهذا يطرح إشكالية التوزيع العادل للثروة المائية على جميع الجهات والتفكير في معالجة المياه المستعملة لسقي جزء من الأراضي الزراعية البورية لإنتاج أعلاف المواشي .

وفيما يخص المناطق السقوية ينبغي التفكير بعمق في هذا الملف خاصة على مستوى الاستثمار في إنتاج الحوامض والبواكر الموجهة للتصدير نظرا لاستنزافها الثروة المائية فمثلا إنتاج كلغ واحد من الحوامضيتطلب أكثر من 100 لتر من الماء. فنحن لا نصدر حوامضنا وبواكرنا فقط بل نصدر كذلك تروثنا المائية ونخاطر بأمنا الغذائي والاجتماعي . من هنا نستنتج أهمية المحافظة على الثروة المائية على اعتبار أن المسؤولية علميا وسياسيا مطروحة بإلحاح في بلد يفصل فيه قطاع الماء عن قطاع البيئة علما أن أحد الركائز الأساسية للمجال البيئي هو الماء طبعا .