مصير القارة الإفريقية يتوقف على إرادة مواطنيها، هلموا نعيد تشكيل خريطة علاقتنا الإنسانية عبر التواصل مع شقيقاتنا وأشقائنا في القارة السمراء ، طالما نحن أفارقة ونصف حضارتنا مصقول بنسائم ماوراء الصحراء، والمغرب ليس فقط محطة عبور ولكن هو تلك اللحمة التي أريد لها أن تصير دركيا بالضرورة، وما أكذوبة عدوى الأمراض والأوبئة إلا نسبية ضمن حروب الديماغوجيا والإرهاب الصحي، فلنكن حذرين من ما يسمى « الطب الامبريالي »، فالمرض الحقيقي هو الفقر والإستبعاد الإجتماعي ووباء المساعدات المشروطة بالتبعية المستدامة للمانحين.
قبل أيام جادت علينا حنكة المنظمة المغربية بتوصية إنسانية رائعة : ضرورة التفكير في بنيات لاستقبال مهاجري المناخ ،وقد كنا في إطار المنتدى الإجتماعي العالمي، نربط دائما بين الإنسان ومحيطه، بين المواطن وذاكرته وتاريخه، فليست العلاقة بين الحاكمين والمحكومين سوى تعاقد إذعاني، حبث يفرض المركز العالمي شروطه على المراكز الجهوية والمحلية ، وكلها تحول الإملاءات هندسة دستورية وتشريعات تقضم « بقايا » بعد اجتماعي، و لهذا فمطلوب منا أن نهتم بمطلب العدالة الإجتماعية في ارتباط وثيق مع مطلب استكمال التحرير والتحرر، والذي لا يمكن اختزاله في وصفات « الإنتقال الديمقراطي » الجاهزة وكذا ما يسمى استيراد « تجارب العدالة الإنتقالية» الخالصة من مبدأ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، مطلوب منا إذن الترافع من أجل اعتبار « التفقير » جريمة ضد الإنسانية، سنذهب جميعا إلى « إفريقية » إفريقيا الخضراء ذات عبق الياسمين حاملين معنا خلاصات الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان، والتي لن نسمح بتبخيسها وبالأحرى إقبارها، سنحتفل بذكرى شرارة البوعزيزي، التي أطفأها صراخ «النهضة »، وعوض تمثل شعار اليقظة كمكسب للشعوب قبل المدافعين عن حقوق الإنسان، سنظل نعاني من فوبيا تكرار الماضي، سواء بالعودة إليه عبر صقور الأمنيين أو تماسيح السلفيين، فهل من تحضير لمرحلة انتقال عصيبة تنظر الفاعلين السياسيين والحقوقيين؟
صحيح أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية غير مضمونة دستوريا، وصحيح أيضا أن الحقوق السياسية والمدنية غير مشمولة بأي جزاء أو مساءلة، لكن سنكون مضطرين لإعادة دق ناقوس الخطر، تجاه واردات ما وراء الصحراء الغربية جنوبا وما خلف الصحراء الشرقية وكل المحطات السياسية ينبغي أن تكون تقييمية وتقويمية، فليس المطلوب منها فقط المقارنة بين الخير الذي توفره المساعدات « الإنسانية » وبين الشر والضرر الذي يلحق بإرادة الشعوب وسيادة الأوطان وبالقدرة على تدبير الشؤون الذاتية والحق في تقرير المصائر، ولكن ضرورة استحضار مطالب ضمانات عدم التكرار، من الأمن القضائي واستقلال سلطته إلى الحكامة الأمنية والحكامة الاجتماعية، ولنكن منسجمين مع كونية الحقوق الإنسانية مع مراعاة الخصوصية بأبعادها التعددية والغنى الثقافيين. فنحن إفريقيين غير مستقرين ليس لأننا بطبيعتنا رحل، بل لأننا لا نملك إلا استقرار العزيمة والصمود لمقاومة انهيار القيم، لهم الجغرافيا يتحكمون بها في المصير، ولنا التاريخ نحرر به عقلنا الثقافي الأسير.