الثلاثاء 24 سبتمبر 2024
مجتمع

هل يصلح العمدة العماري ما أفسده محمد ساجد في ملف النقل الحضري بالبيضاء؟

هل يصلح العمدة العماري ما أفسده محمد ساجد في ملف النقل الحضري بالبيضاء؟

حين وصفنا العمدة السابق محمد ساجد بأنه «عمدة كاليفورنيا» وليس عمدة مدينة الدار البيضاء، لم نكن خاطئين إطلاقا. فالعمدة ساجد (الاتحاد الدستوري) استغل موقعه السياسي ومنصبه لتحويل معظم الاعتمادات المالية للمدينة نحو الحي الراقي كاليفورنيا حيث يسكن وحيث يملك عقارات (تعبيد + إحداث شوارع + قناطر + تشجير + تشوير + إنارة عمومية + ترصيف ...)، وذلك على حساب المرافق الضرورية بالمدينة وعلى حساب انتظارات الأغلبية الساحقة من الساكنة في الأحياء الشعبية التي ما زالت تعيش في الأزبال والظلام والحفر وانعدام المجالات الخضراء. الحجة لا تعدمنا اليوم للبرهنة على ما كنا نقوله.

إذ ما أن تسلم العمدة الجديد عبد العزيز عماري (العدالة والتنمية) مهامه كمسؤول أول ببلدية الدار البيضاء حتى ذهل لوقع الفاجعة التي تضرب مرفق النقل الحضري. فخلال 10 أعوام (2004 - 2015) لم يسبق لمجلس الدار البيضاء أن اجتمع مع مسؤولي شركة «مدينة بيس» للنقل الحضري، علما أنها شركة تنقل يوميا 500 ألف مسافر (في عام 2014 نقلت 141 مليون مسافر بالبيضاء). أي أن الشركة التي تؤمن يوميا نقل ما يعادل ساكنة من حجم الرباط تقريبا لم تكن تحظ بأي اعتبار لمعرفة نقط القوة ونقط الضعف لتجويد المرفق بما يخدم مصالح الركاب.

المرة الوحيدة التي تم فيها التواصل بين العمدة و«مدينة بيس» كانت في غشت 2015، ليس لضخ اعتمادات مالية جديدة لاقتناء حافلات جديدة أو لإخبار الشركة بإنجاز المدينة لتعهداتها فيما يخص وضعية الطرق وانسيابية حركة السير والجولان فحسب، بل لإنذار الشركة Mise en demeure. الالتزام المعلق فمع مجيء الترامواي بالبيضاء، تم الالتزام بتشبيك كل وسائل النقل العمومي لتسهيل تنقل المواطن عبر اعتماد برنامج التذاكر الإلكترونية، وهو برنامج يروم توحيد تذكرة النقل بين «الطوبيس» و«الترام» لحث المواطن على استعمال وسائل النقل الجماهيرية. ورغم جاهزية كل من الترام و«مدينة بيس» (منذ دجنبر 2013) وما قاما به من استثمارات لتركيب وشراء العدادات الإلكترونية (كلف ذلك «مدينة بيس» صرف 50 مليون درهم).

إلا أن مجلس المدينة في عهد ساجد لم يحسم في عدة نقط من قبيل: ما هو الثمن الذي سيدفعه المواطن ليستعمل الترام والطوبيس في آن واحد: هل هو 4 دراهم أم 6 دراهم أم 10 دراهم أم 8 دراهم؟

وإذا حدد الثمن في مبلغ معين، كيف سيتم التوزيع في المداخيل بين حصة الترام وحصة الطوبيس؟ وما هي التدابير المواكبة التي تم اتخاذها لمصاحبة هذا البرنامج (باركينغ إفراغ الركاب في محطة «الطوبيس» أو الترام حسب الحالة إلخ...)؟ ليس هذا وحسب، فالملك احتج بشدة بالبرلمان على تردي الخدمات بالدار البيضاء في أكتوبر 2013، وهو الغضب الذي أثمر مخططا استعجاليا خاصا بالعاصمة الاقتصادية وقع أمام الملك (2015-2020) تضمن (في شق النقل الحضري) تزويد «مدينة بيس» ب200 حافلة. لكن لحد الآن لم تتخذ أي إجراءات لوضع كناش تحملات أو تحديد مواصفات الحافلات المعنية وما هي المراكز التي ستوجه إليها بحكم أن المراكز القديمة ممتلئة وتعرف ضغطا.

وأين هو العقار المرصود للمركز المذكور وكيف ستتم الصيانة؟ إلخ... والخطير في الأمر أن الدار البيضاء لا تتوفر سوى على 866 حافلة، وهو أسطول غير كاف لتلبية حاجيات 3.5 مليون نسمة، مما يبرز الحاجة الماسة إلى ضخ 200 حافلة جديدة في شوارع العاصمة الاقتصادية لامتصاص الاحتقان من جهة ورد الاعتبار لمرفق النقل الحضري من جهة ثانية. الدوخة هذه الأسئلة الحارقة أصابت عبد العزيز عماري، العمدة الجديد ب»الدوخة» ولم يتردد، كإجراء استعجالي، في الدعوة إلى عقد اجتماع عاجل ضم نوابه وأقرب مساعديه مع أطر شركة «مدينة بيس». مسؤول بشركة النقل الحضري لم يخف تفاؤله في كيفية تعامل العمدة عبد العزيز عماري وهو يجيب عن تساؤلات «الوطن الآن» إذ قال: «إن مجرد مبادرة العمدة العماري إلى الدعوة إلى الاجتماع مع شركة «مدينة بيس» هو في حد ذاته إشارة خير، لأنه لم يكن أي أحد من مسؤولي المجلس السابق يبالي بنا. وما يزكي تفاؤلي أن اللقاء كان صريحا وكان العمدة يحسن الإصغاء والتقاط النقط الحارقة». من هذه النقط الحارقة، أن الدار البيضاء لما فوضت التدبير لشركة «مدينة بيس» عام 2004 كانت مطوقة بشروط أساسية، وعلى رأسها أن تضمن معدل 915 راكب للحافلة في اليوم، وهذا المعدل لم يحدث إطلاقا أن تم تحقيقه.

إذ في أحسن الأحوال لا يتجاوز المعدل 750 راكباً في اليوم للحافلة الواحدة، وهو ما يعني خسارة كبرى كل يوم ظلت تتراكم على مر السنين. هذا طبعا دون الحديث عن عدم التزام المدينة بتهيئة الممرات الخاصة للحافلات وتنظيم الطاكسيات وتخفيف حدة الاختناق المروري وتطويق مخلفات التخريب للحافلات في إطار التظاهرات والمباريات. وحسبنا هنا التوقف عند الاختناق المروري وتأثيره السلبي على مرفق النقل الحضري فالإحصائيات الأخيرة أظهرت أن الدار البيضاء عرفت في السنوات الخمس الأخيرة فقدان 3 كيلومتر في الساعة بشأن السرعة التجارية. وهذا رقم مفجع بالنظر إلى أن السرعة التجارية للحافلة بالدار البيضاء كانت تتراوح بين 2 و3 في المائة في الشوارع الكبرى في وقت الذروة بسبب الازدحام الرهيب كانت تسجل 5 كلم/ساعة (وفي الضواحي تسجل 18 كلم/ساعة). ومعلوم أنه كلما انخفضت السرعة التجارية للحافلة إلا وانخفض معدل صبيب التنقل ومعدل دوران الحافلات، وبالتالي يتزايد عذاب المواطن ويسجل شح في الموارد المالية لشركة «مدينة بيس».