الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

وحيد مبارك:الكرة.. موعد لتخريب شمولي وترويع عمومي!

وحيد مبارك:الكرة.. موعد لتخريب شمولي وترويع عمومي!

خيّالة، صقور، بوليس سري وعلني، وحرس ترابي، دوريات راجلة وأخرى راكبة، وألوان الأمن الوطني في كل مكان، هكذا كان المشهد صباح الأحد 20 دجنبر 2015، بجنبات ومدرجات وأرضية المركب الرياضي محمد الخامس. إنها جملة الصور الاستعراضية التي تم الترويج لها إلى جانب تصريحات إعلامية بمناسبة الديربي 119 بين فريقي الوداد والرجاء البيضاويين، والتي أوحت لنا جميعا بأننا سنعيش عرسا كرويا قوامه الروح الرياضية، وبأنه يمكننا أن نطمئن على سلامتنا وأفراد أسرنا إن هم رافقونا إلى الملعب، وأغرتنا بأن الفرجة السلمية ستكون مضمونة، وبأنه لا خطر يتهدد ممتلكاتنا الخاصة والعمومية، وبأن اللحظة هي للأخوة والمحبة وبأننا سننتصر لقواعد الرياضة في أسمى تجلياتها.

مشاهد للاستعراض الأمني، وأخبار عن اجتماعات بالألترات وجمعيات المحبين، وبمسؤولين عن الناديين، نعم لقد اعتقد البعض أنه، وعلى المستوى النظري، تم ربط جميع الأضلاع فيما بينها برؤية أمنية يحكمها الهاجس والتخوف من "غول" إسمه الشغب، لكن تبيّن أن هذه الخطوات لم تشمل فئة من "الجمهور"، اتضح أن لا جهة تمثلها، تؤطرها ... فئة استقالت الأسرة والمدرسة عن أداء وظيفتهما حيالها، ولم تجد سوى الشارع لاستقبالها، فئة أفرغت مكبوتاتها قبل المقابلة على "أرضية" الفضاء الأزرق، رافضة الكيفية التي تم بها تدبير بيع التذاكر، متهددة، متوعدة، وزاد من خطورة "تيهانها" خطاب إعلامي يمتح من قواميس الشغب وهو يدّعي محاربته!

للحظات سلّمنا بأننا سنعيش لحظة كروية استثنائية، وتفاعلنا مع أجواء المدرجات وطقوسها، عشنا معها شغفنا الكروي، في بعده الطفولي حتى، وأطلقنا العنان للتعابير الجمالية وللإبداعات الفنية كما رسمناها في مخيّلتنا، رفضنا خلالها استحضار كل تلك المشاهد الشائنة السابقة، وكل عناوين المعاناة التي تكبدتها الجماهير الحقيقية للوصول إلى الملعب وقضاء ساعات به بدون مرافق صحية، وبدون أشكال تقلّص من منسوب الضغط، وتجعلها تنتظر انطلاق المباراة في أجواء طبيعية، وحتى في تتبعنا لاحتفالات المدرّجات، اعتمدنا غضّ البصر عن مضامين بعض "التيفوهات" وهي تحمل رسائل معاكسة للروح الرياضية، التي ومع ذلك لاتشكل مبررا للفوضى، للتخريب، للإجرام، وللمسّ بهيبة الدولة؟

نعم كنا كذلك، كمن يحلم، كمن يتوهم وضعا مخالفا للواقع وللحقيقة، فبمجرّد أن خمدت "نيران" الطقوس الاحتفالية، اندلعت نيران استعرت درجات لهيبها لحظة بلحظة، فانتشرت كما تنتشر النار في الهشيم، و"فجأة" أصيبت المدرجات بالمسخ، وكأن البعض كان يضع قناعا للحمل على وجه الذئب، وأصبحت فئة من المتفرجين متوفرة على أسلحة/عصي استعملتها في مواجهتها مع العناصر الأمنية، ثم انتقلت أطوار المواجهة إلى الشارع العام، الذي احتلّ من طرف بعض جماهير الفريقين، يمارسون كل أشكال الكرّ والفر، والرشق بالحجارة، وويل لمناصر وقع بين أيديهم. شارع عام أضحى المتحكم فيه هو هذه الفئة من "الجماهير" التي لم تكن تجد حرجا وهي تطارد عنصرا أمنيا من فرقة الصقور الدراجيين، أو دورية للتدخل السريع وترشق الأمن بالحجارة والقنينات، وتستهدف بالتخريب الواجهات، الشرفات والسيارات!

لم نعد اليوم أمام خميس أسود واحد، فقد أضحى السواد سمة لصيقة بأيامنا، بملاعبنا، وبمدننا، حين إجراء المقابلات الكروية، أصبحنا نضع أيدينا على قلوبنا وجلا من تداعيات هذه المباراة وتلك، خوفا من تسجيل وفيات، وأن تخلف إصابات وعاهات،  ولانتنفس الصعداء إلا حين تمر الأمور بسلاسة استثنائيا، إلى أن نستفيق مرة أخرى على وجع جديد، يعكس طبيعة التربية التي نتلقاها في أسرنا، والأخلاقيات التي نلقّن إياها في مدارسنا، وتأثير الشارع فينا، وجع يترجم درجات تشبع أنديتنا بالديمقراطية الفعلية، وتربية مسيريها الكروية، واعتماد "الزرواطة" في محاولة لمعالجة الإشكالية بمقاربة أمنية، وجع يؤكد أن أعطابا كبيرة تلازمنا، وجروحا عديدة تنخر أجسامنا، نسقط تداعياتها على غيرنا بكل أشكال الغلّ والعنف عند أول مقابلة بريئة، من ممارسات بعضنا الهمجية!