لم تكن الدروشة التي سوق لها عبد الإله بنكيران مع أصحابه من الوزراء لتطول كثيرا. فبعد مشاهد البيصارة وانتعال الصندالة واقتسام الشفنج مع المارة في سوق شعبي كان لا بد من الاعتراف أنها مشاهد دخيلة لا علاقة لها بالمكانة الإجتماعية والمستوى المادي لمدعيها .
التمادي في " المسكنة " بدأ يجعل من بنكيران وأصدقاءه في الوزارة والدواوين و في المؤسسات العمومية وشبه العمومية كما لو كانوا مريدين لجعفر النميري رئيس السودان السابق والذي نصح شعبه في أواسط ثمانينات القرن الماضي بتخفيض وجبات الأكل اليومية وازدراد وجبة " الويكا" الفقيرة .
تبين للسودانيين أن أقصى ما يمكن أن يفعله رئيس دولتهم هو نصيحة غذائية بالتهام وجبة غير متكاملة فخافوا على نفسهم من هشاشة العظام.
ولما تيقنوا أنه كان " يتعاطى " للإفتراس الغذائي خفية. ويستعين بخبير مكياج لبناني لإظهار وجه سيادته وعليه اثأر جوع مصطنع قاموا عليه فخلعوه..
لم يعد هذا الليثوغراف الشعبي الذي يظهر الجماعة الحاكمة في أوضاع بئيسة مقبولا؛فالسمياء الطافحة بالحمرة لبنكيران والخلفي والرميد والرباح..لايمكن أن تكون خجلا متواترا من شيء إما أنه يدعو للخجل أو انه يستثير عاطفة ما..
إنها حمرة النعمة ..لا غير.
وجاء الاعتراف يوم 20 نونبر2015 بمناسبة المناظرة الوطنية حول الاقتصاد التضامني والاجتماعي.
قال بنكيران وقد أنطقه الله بالحق :
"القضية متبوعة , ؤ بالدارجة راها محكوكة . ( حول الوضع الإجتماعي الهش و الهادئ نسبيا ).. وتقتضي الإنتباه ديال كل الأطراف ؛ ولكن ديالنا حنا . اللي كايسمونا لي فرونسي؛ لي كول بلون . للي حنا واحد النوع .يعني حنا مع الأقوياء. استافدنا من الواقع الحالي . ولكن كاين فئات , ماستافداتش . متروكة لنفسها, ؤكاين بالخصوص الشباب أبناء هذه الفئات . اللي ماكايلقاوش فرصة في الحياة باش ايعيشو. "
" راها محكوكة " لنترك لحسن الفذ مطالبة السيد رئيس الحكومة بتعويض حول استعمال غير مرخص للازمة شخصية .
باعترافه أنه من جماعة les cols blancsينهي بنكيران زمن البيصارة والصندالة وزمن الشفنج والانتماء الاجتماعي المغشوش إلى طبقة الفقراء .
إنه الانتماء الذي ظل يداريه. الإنتماء إلى ذوي " الياقات البيضاء " cols blancsوهو انتماء طبقي سياسي – اجتماعي إلى الفئات العِلِّية في المجتمع. نخبة السلطة والاقتصاد والحكم .
لا أخونة ولا أسلمة ولا دروشة. ولا انتماء إلى اكاديمية الكادحين ذوي الياقات الزرقاء cols bleus الساعين لكسب عيشهم بالجهد والشقاء وتمَّارة
اكتشف الشعب أن رئيس حكومتهم مجرد "سالت" في اطوبيس "كحل الراس". وفهم متأخرا أن تعريضه إياهم ل "عنف الأغنياء "( سياسات عمومية لا شعبية في الإقتصاد والتعليم والصحة والشغل والسكن..) هو تحصيل حاصل ,فبنكيران ناطق باسم جماعة الأقوياء الذين استفادوا من الوضع الحالي كما اعترف في مداخلته بمناسبة مناظرة نونبر 20 – 21 حول الاقتصاد التضامني والاجتماعي.
ويستتبع الإنتماء لجماعة les cols blancs رعاية فساد الأقوياء بتعطيل كل آليات المتابعة بالتأويل القانوني للفعل الجرمي أحيانا وبالتأويل الدستوري للجهة المختصة بالمتابعة أحيانا أخرى أوبالترك و الإهمال أو القتل البيروقراطي للفساد عبر تشتيت المساطير وإلحاق مباشرتها لجهات متنوعة بل ومتناقضة أحيانا ,لدرجة تدعو للمسائلة هل يتعلق الأمر بمساطير داخل الدولة الواحدة أم يتعلق بدول متعددة ينبغي أن يتوفر بينها تعاون قضائي لإستكمال البحث والبث فيه. !!
إنه جنوح النخبة. كما جرى تشريحه عبر أبحاث قانونية – سوسيولوجية / اقتصادية – جنائية انكلو- ساكسونية ويجري الآن فضحه عن طريق أعمال فرونكوفونية كما في كتاب بيير لاسكوم ( سوسيولوجي – فرنسي و كارلا ناكيلس باحثة جنائية – بلجيكية ).
ففي الوقت الذي يجري فيه إبراز الجنوح العادي( تشرميل . هوليكانز مبارايات كرة القدم .انحرافات سبيرنيتيقية مرتبطة بالنت ..تحولات علائقية عنيفة بين الأفراد نتيجة خواء قيمي عائد لمراحل الانتقال التي يتعرض لها المجتمع..) ومحاكمته والبث فيه يتم التستر على جنوح النخبة وجرائمها .
في حقيقة الأمر نحن أمام نخبة من "ذوي الياقات البيضاء ..أيادي متسخة وسجل قضائي نظيف " كما جاء في قراءة السوسيولوجي "جون بيرار" لكتاب "بيير لاسكوم "و"كارلا ناكيلس" حول : سوسيولوجية النخب المنحرفة.من جرائمية ذوي الياقات البيضاء إلى الفساد السياسي sociologie des élites délinquantes : de la criminalité en col blanc à la corruption politique
في أحد حوارات "بيير لاسكوم " قال هذا الأخير؛ إن جرائم ذوي الياقات البيضاء لا تلتصق بأصحابها. وخلع على هذا " اللا التصاق " تعبير syndrome teflon اعراض الطيفلون. والطيفلون مادة مخبرية تستعمل في صناعات متعددة وهي غير قابلة للاحتراق ومنها تصنع الأواني المعروفة بماركة "طيفال", لا تحترق ولا يلتصق فيها الطعام. إنها أواني محبوبة عند كل الطهاة..سهلة الغسل جيدة الطبخ..وتتمتع بسمعة جيدة عكس أواني القصدير ولامانيو..
إن سمعة les cols blancs تبدأ من المطبخ. وهذا ما يفسر رضى العوام على نخبة تحمي الجنوح الراقي وتعود دائما للحكم بتفويض شعبي عن طريق الإنتخابات..عن طريق الكوزينة ..أو الكوشينة..
" الطيفاليون " ينتصرون دائما..روج لهم المرحوم عبد الرحيم بركاش وأوصلتهم " شميشة " إلى الحكم.
لنقاطع برامج الطبخ.