الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد اللطيف أكنوش: درس بالمجان في مادة "التربية الإسلامية" من أجل تربية النشء على رفض الآخر والاعتراف به ونبذ ثقافة الاختلاف...

عبد اللطيف أكنوش: درس بالمجان في مادة "التربية الإسلامية" من أجل تربية النشء على رفض الآخر والاعتراف به ونبذ ثقافة الاختلاف...

عثرت بالصدفة على مقرر مخصص لتلاميذ الثالثة إعدادي في مدارسنا، وتحملت عناء قراءته بدافع حب الاستطلاع، ولا أخفيكم هول الصدمة التي أصبت بها... فقد وقفت على مجموعة من "الدروس" التي تتناقض تناقضا صارخا مع نماذج عمودية تتعلق بالدولة، القومية المغربية، وبالإعلام الحديث ووسائل التواصل الحديثة، وبدور العقل والحواس الخمس في إدراك الطبيعة والإنسان.. مما يضع تساؤلات كثيرة عن أهداف واضعي هذه المقررات، وعن نوع المواطن الذي نتشدق بضرورة تربيته على قيم المواطنة وحب الوطن...، في إنكار الدولة-القومية Etat-Nation المغربية: خصص مقرر مادة التربية الإسلامية لمستوى الثالث إعدادي درسا لما أسماه "تغليب آصرة العقيدة على آصرة القرابة"، ويراد من عبارة "آصرة القرابة" القرابة العائلية..لنتأمل كيف تمت صياغة الدرس: "إذا تعارضت الآصرتان وجب تغليب آصرة الدين والإيمان- أي العقيدة"-، ولتأكيد ذلك قام الدرس بسرد قصة إبراهيم الخليل الذي تبرأ من أبيه لأن الله أوحى إليه بأن الأب المسكين سوف يموت كافرا... ثم يقوم بتعليل ذلك قائلا: "أساس الإيمان بالله، والحب في الله، وإرضاء الله تعالى تعتبر من أوثق العلاقات بين البشر وأقواها، كما أن نفعها يمتد إلى الآخرة بخلاف آصرة القرابة التي تنتهي بموت الإنسان.. فهي رابطة دينية تجمع بين المسلمين، وتوثق الصلات بينهم، في كل زمان ومكان مهما اختلفت أجناسهم، أو لغاتهم،أو فئاتهم، أو ألوانهم". معنى هذا الكلام أن مفهوم الأمة-القومية التي من الواجب أن يشب عليها النشء تم "النهي" عنها.. فآصرة المواطنة بين مغاربة مسلمين ويهود نصارى وشيعة وملحدين ولادينيين يجب أن تتوارى إلى الخلف، إذ لا تعدو أن تكون سوى قيما قد تكاد تكون محرمة أو مكروهة أو على الأقل لا يعتد بها في مقابل آصرة الدين والعقيدة التي يفترض أنها تجمع المغربي بسكان أندونيسيا وبورما والصين والجزائر وتونس والعربية السعودية وأي بلاد من البلدان التي يعيش فيها مسلمون.. فحدود الدولة-القومية في هذا "الدرس" تم محوها نهائيا، وتم محو المغرب من تصور الشاب المغربي بخريطته من طنجة إلى لكويرة !! يعني كذلك هذا الكلام أن آصرة القرابة الدموية يجب أن تتوارى خلف آصرة العقيدة.. إذ أن لا طاعة للإبن والده أو والدته في معصية الخالق.. أي أن الشاب الذي اعتزم اللحاق بداعش أو النصرة أو القاعدة في اليمن أو جنوب الصحراء الإفريقية أو الصومال، بإمكانه عدم طاعة والديه لأنه يرى في الإلتحاق بالإرهاب واجبا دينيا، من نهى عنه فهو كافر حتى وإن كان والده أو أمه.. وهي أمور تحدث كل يوم في بلادنا وما على الباحث في هذه الأمور إلا العودة لمحاضر الاستماع لمن ضبطوا متلبسين بجريمة الالتحاق ببؤر التوتر عبر العالم...

- في الإعلام الحديث ووسائل التواصل الحديثة: شخصيا أصبت بالذهول أمام هذا العنوان الذي زج به أصحابه في مادة التربية الإسلامية.. فما العلاقة بين الإعلام ووسائل التواصل الحديثة والدين الإسلامي والتربية الإسلامية؟؟؟ فما أعرفه ويعرفه غيري هو أن وسيلة التواصل المعروفة في صدر الإسلام وقبله هي الشعر والمعلقات والخطابة بهجائه ومدحه وغزله ووصفه للطبيعة والحيوان.. ماعدا ذلك فما سمعت أن النبي كان يستعمل الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية والفايس بوك وغير ذلك، حتى ندرس للنشء ماقاله الإسلام عن استعمال هذه الوسائل والضوابط التي تضبطها... فتمعنوا معي هذه التحفة التي تدرس لأبنائنا.. "الإعلام هو التعبير الصادق والموضوعي عن معطيات ومعلومات في ميادين عديدة، وتبليغها للناس بوسائل مختلفة. للكلمة المسموعة والصورة المرئية أثرا بالغ الأهمية على متلقيها مقارنة مع الكلمة المكتوبة لأنها تصل بسرعة فائقة إلى وجدان ونفس المتلقي مما يجعل انعكاسها على السامع والمشاهد أكثر خطرا، ولتفادي أضرار هذه الوسائل الإعلامية وجب اختيار البرامج والمواد النافعة منها والموافقة للتوجيهات الإسلامية أسلوبا ومضمونا. يجب أن تتسم بالصدق والأمانة، وتعتمد أسلوب الإقناع، وتساعد الناس على الهداية والتشبث بقيم ديننا الحنيف، وأن تشعر بمسؤوليتها عن كل ما تعبر عنه وتبلغه للناس. وعلى المسلم أن يقاطع القنوات والبرامج الهدامة المنافية للأخلاق والقيم الإسلامية، والتي تسعى لتضليل الناس وبث الفرقة والميوعة والإباحية، وأن يركز على التربوية والتوجيهية منها، والتي تساهم في بناء الإنسان بناء متكاملا يجمع بين الدين والدنيا في السلوك"... من الواضح هنا أن واضعي النص "التربوي" يمارسون حجرا عقديا على مواطن المستقبل، ويحرمونه من ثقافة التنوع والاختلاف، ويزرعون فيه التزمت والتعصب، وذاك أضعف الإيمان..

- في استخدام العقل والحواس الخمس من أجل إدراك الطبيعة والإنسان: يشير المقرر إلى الآية 36 من سورة الإسراء، ثم يعلق بما يلي: "نهى الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن إتباع ما لا علم لنا به، ثم بين لنا أن الإنسان سيحاسب يوم القيامة عن استعماله لحواسه"... ثم يورد حديثا نبويا يبين مسؤولية المسلم عن عمره، عن علمه، وعن ماله، وعن جسمه، وأنه سيحاسب عن كل ذلك يوم القيامة.. هو نهي بين عن استعمال العقل في الأمور غير المفهومة وغير المدركة.. بمعنى أن المقرر ينادي بتعطيل العقل والحواس الخمس عن إدراك الطبيعة والإنسان والتاريخ.. ولنا أن نتصور مواطن الغد في مواجهته للحياة وللمستقبل، ولنتساءل عن القرن الذي نصل فيه إلى عصر الأنوار الذي لا يؤمن بغير العقل وبغير الحواس الخمس كوسائل للإدراك والفهم..

أكتفي بهذا القدر وأدعوكم إلى العودة لهذه المقررات لتقفوا على الخزعبلات التي تتعلق بالاقتصاد ودور الشريعة في الدولة وفي حياة المواطنين وغيرها من التيمات الأساسية في حياة المجتمعات لتقفوا بأنفسكم عن نوعية البشر الذي يعيش بين ظهرانينا اليوم وهنا، وعن نوعية بشر الغد ممن قد يحكموننا ويسيرون اقتصادنا ويحاورون الشعوب والدول المحيطة بنا ويدرسون بدورهم جيلا وأجيال أخرى..لإعادة إنتاج نفس البشر الذي يرفض الاختلاف، ويرفض الرأي الآخر، ويصيح بكل صفاقة أنه مجتمع "مثقف"...