الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد فردوس: جهاز لمقدمين.. كيف يمكن للمغرب أن يرفع من جاهزية جهاز (إحضآي) بالوطن؟؟

أحمد فردوس: جهاز لمقدمين.. كيف يمكن للمغرب أن يرفع من جاهزية جهاز (إحضآي) بالوطن؟؟

ما وقع في باريس من تفجيرات وقتل بدم بارد بأياد ملطخة بدم الأبرياء خطأهم الوحيد أنهم تواجدوا في الزمان والمكان المخطط له من طرف مروجي الترويع وثقافة الإرهاب يساءلنا جميعا ويضعنا موضع المسئولية الأمنية هنا في المغرب، وخصوصا أن العمليات تتشابه واستهدفت أماكن مماثلة بالدار البيضاء يوم 16 ماي الدموي، الحدث الجلل الذي راح ضحيته العشرات من المواطنين والمواطنات ومن جنسيات مختلفة وكاد أن يتسبب في كارثة حربية وسط أكثر من 80 ألف من جمهور كرة القدم بحضور رئيس فرنسا هولاند لولا الألطاف الإلاهية يستدعي منا اليوم تكثيف جهود المراقبة واليقظة والحذر.

كيف لدولة مثل فرنسا أن تغفل دخول وخروج إرهابيين مصنفين في دائرة الخطر ويستأجرون شقة دون أن تعلم بهم الدوائر الأمنية .. هل جهاز "لمقدمين" بالمغرب يمكن أن يقدم الدرس في هذا المجال المراقباتي.. وكيف يمكن للمغرب أن يرفع من جاهزية جهاز (إحضآي) بالوطن؟؟

نعم للمغرب أجهزته الاستخبارية والأمنية التي تستبق الأحداث وتفكك الخلايا النائمة، وتتابع عن كتب تحركات مافيا المخدرات والتهريب وشبكات تهجير الشباب والكثير من التفاصيل التي لا يمكن إغفالها لتحقيق الأمن وتحصين السيادة الوطنية. نعمم للمغرب كفاءاته الأمنية التي تشهد بها فرنسا وإسبانيا ودول الجوار، ومع ذلك لا بد أن نسجل أن هناك جهازا قويا بعيونه يتابع سكنات وحركات كل كبيرة وصغيرة في الزقاق والحي ووسط المقاهي وبالأسواق والتجمعات السكانية المهمشة وبالمدن الكبيرة والمتوسطة والصغيرة ، إنه جهاز لمقدمين (أعوان السلطة) الذين يستشعرون كل خطر كيف ما كانت درجته ومتابعة الداخل والخارج من خرم إبرة، وتبليغ ذلك إلى رؤسائهم بالمقاطعات الإدارية لتفكيك وقراءة شفرة الخبر والمعلومة.

جهاز لمقدمين بالمغرب يلعب دورا مهما في مراقبة المجال الترابي الذي يشتغل فيه لمقدم تحت إمرة القائد والباشا ورئيس الدائرة والعامل والوالي.. لمقدم (عون السلطة) هومن يحرر شهادة السكنى للوافد الجديد وشهادة الضعف بعد التحقق من هويته ومن سكناه ومن عائلته وجيرانه وهو الذي يمنح شهادة الحياة والوفاة ....الحاضر الغائب في كل تفاصيل الحياة المغربية إداريا ....لمقدم يتابع عملية التعمير والتجهيز والتجمهر وإصدار البيانات والبلاغات له عيون وسط الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات.. لمقدم المغربي يعرف العاهرة والشيخة والمتسول والمنحرف والحشاش والسكير والإخواني والملتزم والكاتب والصحافي والعامل والفلاح ... يحصي نفس الساكنة ويتابع تحولها الاقتصادي والاجتماعي ويراقب انهيار سلم مواطنيه في بورصة الأعياد الدينية والوطنية.. حاضر في الأعراس والحفلات ومراسيم الدفن والتشييع. يعد كل شيء بدقة متناهية ولا يمكن له أن يخطئ في تبليغ عدد الحاضرين هنا وهناك وكيف تسير أحوال دائرته الانتخابية ومن سيصوت ومن الرابح والخاسر في منازلة الأعيان.

هذا الكائن الإداري المغلوب على أمره لا وقت لديه للتفكير في أوامر رئيسه ومتى وأين وكيف تنفذ لتحقيق الهدف وبأية وسائل؟، المهم كل الدقائق محسوبة في عمله ومردوديته التبليغية لسعادة القائد المتبختر على كرسي المسئولية في انتظار ما سيقدمه لمقدم من معلومات صباحية ومسائية وليلية.. عين السلطة التي لا تنام.. والحارس الأمين على نعمة رجال السلطة الذين يعرفون من أين تؤكل كتف المواطن المغربي.

لمقدم يصلي من أجل المتطرفين ومتابعة سكناتهم وحركاتهم، عون السلطة يسكر لتقفي اثر مناضل سخون عليه راسو.. يداعب جسد عاهرة لانتزاع معلومات تفيد في إنهاء محضر استخبراتي، يتنازل عن كرامته لمعرفة غياب شخص زاغ عن بصره أو مواطن مجهول الهوية يتردد على الحي أو بجانب مؤسسة، يؤدي ثمن السجائر لمتسول أو متسكع قصد متابعة عملية البناء والتعمير وتجاوزاتها ليعيد للقائد والباشا هيبته المتفرعة سلبا وإيجابا.. لمقدم الذي يعرف كل كبيرة وصغيرة هو حارس المعبد فعلا.

ألا يحتاج هذا الكائن الأسطوري لرد الاعتبار والإنصاف وتوفير سبل ووسائل عمله المضني والشاق.. ألا يحتاج أعوان السلطة إلى التفاتة كريمة من وزارة الداخلية التي تحصي أنفاس موظفيها وأطرها.. فلنتحاسب على المردودية والنتائج بخواتمها وتاريخ لمقدم حافل بالتقارير الاستخباراتية الشفهية التي تتحول لمعلومات دقيقة تتبادلها أجهزتنا الأمنية عبر وسائط الاتصال لتفكيك شفراتها وألغازها.. وكثيرة هي الأحداث التي توفق فيها لمقدم لمحاصرة الإرهابيين والمتطرفين منذ واقعة مراكش بعد فتح الحدود مع الجزائر الشقيقة مرورا بتفجيرات الدار البيضاء واعتقال المتورطين فيها، وتفكيك شبكات وخلايا التطرف بعدة مدن وصولا إلى ما يقع اليوم من إسهال في المعلومة بتعاون مع جهاز لمقدمين.

ما وقع في باريس فرنسا يضع وزارة الداخلية في موضع المساءلة حول الحالة المزرية لجهاز لمقدمين الذي يقدم خدمات جد مهمة في ميدان المراقبة اللصيقة بالأحياء والأزقة والدروب العتيقة المظلمة التي يتسلل لها المتربصون ببأمن بلادنا.. لمقدم اليوم محتاج إلى التكوين وصقل مواهبه وأفكاره وثقافته وتحسيسه بأنه جزء من الأجهزة الأمنية والإدارية التي لها دور رائد في التواصل مع مواطنيه بالدائرة الإدارية والأمنية المتواجد فيها.. لمقدم اليوم محتاج إلى تعزيز وجوده بالتحفيز والثناء والرضى عن عمله بعيدا عن كل ما من شأنه أن يجعله خدوما لرئيس إدارة ترابية يبحث عن موارد مالية كل صباح ومساء دون التفكير بضمير الوطن الذي بات يحتاج إلى رجالات من طينة الصادقين المؤتمنين على أمن المغاربة وأرضهم من الجنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى الشرق.

فهل تضع وزارة الداخلية نصب عينيها جهاز لمقدمين وتقوم بما يلزم من واجبات لتطوير أدائهم الإداري والأمني والتواصلي، وتحقق لهم مطالبهم التي لا يمكن أن يعبروا عنها في ظل السلطة التراتبية التي تقتضي تطبيق الأوامر دون احتجاج أو اعتراض؟؟؟.