الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

دلال البزري: أوباما الشيطان الأخرس

دلال البزري: أوباما الشيطان الأخرس

أوباما يكرّر نفسه في الشرق الأوسط. غموضه يتّضح كلما أمعنَ في عدم اتخاذ مواقف حقيقية في القضايا التي خطبَ عنها مطولاً. يريد تصحيح أخطاء سلَفه جورج بوش، يسحب جيوشه من العراق وأفغانستان... تلك هي إستراتيجيته المعلنة والمسجلة في خطبه. حول سوريا، يردّد منذ أربع سنوات الجملة ذاتها: "حان وقت رحيل الرئيس بشار الأسد". يضع "خطاً أحمر" على الكيماوي، يؤخر صدور إثباتات على استخدامه من قبل بشار، وعندما لا يعود ممكناً التعْمية على هذه الجريمة، يصعّد لهجته، ويتأهب عسكرياً لضرب القوات النظامية السورية. لكن بوتين يقنعه بما يريحه... والباقي معروف. هذه عيّنة من إستراتيجية أوباما في سوريا. كان لها الحظ الكبير في التعبير عن نفسها مراراً. بحيث يمكنكَ القول بأن لا سياسة محدّدة لهذا الغموض، لا توجه محدّداً، سوى التردّد واللاموقف والحيرة، وغياب أي فكرة، أي مبادرة سياسية منتجة، أو أقل أذية، أقل دموية، من تلك التي جعلت من قوى أقل عظمة من قوته صاحبة اليد الأطول في تقرير مصير أهل سوريا.

ونحن هنا لا نتكلم عن سويسرا أو تشيلي أو البيرو، إنما عن قوة إمبريالية أصبحت منذ ربع قرن أحادية، لا ينافسها أحد؛ وهي الآن ما زالت تتصرف على هذا الأساس، ولكنها لا تقوم بما هو مترتِّب عليها من تكاليف الهيمنة هذه. فإما أن تتدخل، حتى ولو بالمنطق الإمبريالي نفسه، ومن كان غير امبريالي من بين منافسيها الكبار والصغر، فليرْمها بحجر... إما أن تتدخل إذن، وتتحمل مسؤوليتها، أو تنصرف لهمومها الجنوب شرق آسيوية. أما أن تملي على المعارضة السورية مهمات، سياسية وإدارية وعسكرية، وتدعمها بعد ذلك بطرف شفاهها، فهذه قمة الاستهتار بمصائر البشر في سوريا، وبسوريا نفسها.

عندما حصل أوباما على جائزة نوبل للسلام في خريف 2009، أي بعد أشهر من تولّيه الرئاسة، كانت حيثيات لجنة تحكيم الجائزة بأن خطبه كفيلة بأن تعزّز السلام في العالم: خطابه التصالحي من الإسلام، وضد المستوطنات الإسرائيلية، ومع الانسحاب من العراق وأفعانستان، ورغبته بإقفال معسكر غوانتانامو الرهيب الخ. إلا أن أوباما لم يكتفِ بالإخفاق في تحقيق أي نقطة من حيثيات الجائزة "المشرِّفة" هذه، بل جرّ نفسه إلى قلب سوريا، وتركها بعد ذلك تنزف بمتدخّليها الكبار والصغار، عاقداً اتفاقية مع عدو شعبها، إيران، غايتها الواضحة تسجيل اسمه في صفحات كُتب التاريخ. فوق أنه لم يوقف طائراته من دون طيار عن قتل إرهابيين يتعاظم شأنهم، وإلى جانبهم مدنيين يفوقونهم عدداً، ولا توقفت طائراته الحربية الأخرى في ائتلافها في سوريا والعراق، ولا تبجّحه بقتل بن لادن في عملية استخبارية خاصة... وإذا جملتَ عدد الضحايا وكمية الخراب اللذين تسبّب بهما أوباما، الحارم نفسه من أي إستراتيجية، يمكنكَ القول إن سلفه جورج بوش هو الذي يستحق نوبل للسلام، لا هو. فالموضوع ليس موضوع نوايا حسنة أو سيئة، بل نتائج ملموسة لهذه السياسة أو تلك: جورج بوش كان شيطاناً ثرثاراً، يتعامل مع القتل بصراحة، من دون عقد ملائكية. أما أوباما، فشيطان أخرس: يعرف كل شيء، بدليل أنه، ما كشف مؤخراً عن تجسّسه على العالم أجمع... يملك أدوات القتل الأعلى، يدّعي الامبريالية، ونصدقه... لكن سياسته كلها سكوت عن الحق، الحق الذي نال بفضله جائزة نوبل.

هل هو عَطب الجائزة التي تحكٍّم بناء على النوايا؟ أم عَطب أوباما المسالم الذي تسبّب، بنوعية "سلميته"، بفظائع تتفوق على تلك التي خلَّفها سلفه وغريمه، جورج بوش، شاهر السيف والمدفع؟

ثم، هل هو عَطب أوباما، الضعيف، المتردّد؟ أم عطب أميركا نفسها، الآخذة بالتضاؤل؟ أم أنها إستراتيجية أخرى، تتبناها عادة الإمبراطوريات الآخذة بالأفول؟ أفول قد يمتد عشرات السنوات، في زمننا السريع هذا... والقائم على الانسحاب الفاشل من هنا، والعودة إليه من هناك، في رقصة "الدفاع عن المصالح"، أو ترسيمها، أو تحديدها، وفي سماء غيرها وبشعوب غيرها؟ الرئيس، أو الرئيسة، المقبل، سواء كان ديمقراطياَ أو جمهورياً، سوف يجيب على شيء من هذه التساؤلات.

(عن جريدة "المدن" الإلكترونية اللبنانية)