الخميس 2 مايو 2024
سياسة

أزمة السويد تنزع أوراق التوت عن «ديبلوماسية الكافيار» بالمغرب!

أزمة السويد تنزع أوراق التوت عن «ديبلوماسية الكافيار» بالمغرب!

إذا كان تاريخ السفارات يشكل، نظريا، جزءا من تاريخ الدول وذاكرة حقيقية للتوافقات والصراعات مع العالم، فإن الأمر مختلف جدا في الحالة الدبلوماسية المغربية، ذلك أن توترات الشرعية التي تفجرت حول الحكم، منذ السنوات الأولى للاستقلال، قد جعلت مجال السفارات المغربي، بما يعني ذلك من اختيار السفير وفريقه مجالا محفوظا لا لمؤسسات الدولة المغربية، ولكن تحديدا للملك الحسن الثاني الذي أراده حقلا مغلقا يتولى، هو شخصيا، مهمة الإشراف عليه.

ولأن زمن الحرب الباردة كان يدعم فكرة الدولة المركزية، ولأن المغرب لم يكن له دور فاعل وحاسم في الاستقطابات الدولية الخارجية، فقد اقتصرت مهام السفراء المغاربة على وظائف بروتوكولية صرفة تجعل المرشح لمثل هذه المهام أشبه بمن أنعم الله عليه بنزهة سياحية رفيعة، أو بتقاعد مريح.

ولأن «المال السايب يعلم السرقة» فقد وجدنا سفراء سياحا من الطراز الممتاز يستثمرون وجودهم في الخارج للتجول في العالم، وفي تحصيل المال والامتيازات، وفي تحقيق أعلى قدر من العقارات، وكل أشكال «التبزنيس» الممكنة، غير عابئين بالمصلحة الوطنية وتطورات الملف المغربي، بقدر ما يهمهم شخصيا رضى الملك أولا وأخيرا.

جرى كل ذلك بعيدا عن اهتمامات الرأي العام الوطني الذي كان قد يئس من احتكار الحسن الثاني للحقل الدبلوماسي برمته. خاصة أن الملك كان، بالإضافة إلى هذا الاحتكار، يحتكر أيضا دفة التسيير الحكومي، وذلك إلى

الفترة الأخيرة من عمره حين قرر فتح المجال أمام المعارضة لتشاركه العمل التنفيذي.

في نفس الإطار، وفي ظل الصراع المحتد بين الملك والأحزاب السياسية الوطنية، ظل اليسار المغربي منشغلا بتطوير علاقاته الخارجية المحدودة بهدف تطويق النظام وتأجيج العداء ضده، وذلك ضمن سياسة عملية لي الأيدي الدموية أحيانا. وهو ما أدى إلى أن يتشكل في الخارج عقل يساري مهووس

بجفاء مطلق تجاه المغرب بسبب الملكية، وتفردها بالسلطة. وهو الأمر الذي ظل مؤثرا في هذا العقل حتى بعد تغير الاعتبارات السياسية المغربية، ودخول بلادنا تجربة الإنصاف والمصالحة، وإشراك اليسار في العمل الحكومي خلال الربع الأخير من تسعينيات القرن الماضي، وتوسيع هامش الانفتاح السياسي وقد تعمقت هذه التغيرات إيجابيا مع توالي الزمن حيث حقق المغرب نقلة ديموقراطية مقارنة مع دول شمال إفريقيا، وعدد من دول المحيط العربي الإسلامي والإفريقي.

ورغم هذا التفرد في البناء الذاتي للشخصية السياسية المغربية ظلت صورة بلادنا مشوبة بكثير من التشويش، لدرجة أن دولا عديدة لا تزال تسجن بلادنا في الصورة التي تشكلت عنا، منذ الحرب الباردة، باعتبارنا دولة «موغلة في الاستبداد والانغلاق»، تماما كما لو أن المغرب هو كوريا الشمالية.

مصدر العطب واضع الأبعاد: إنه تكلس الأداء الدبلوماسي المغربي، وهو كذلك عجز بلادنا عن تسويق صورتنا في الخارج، وتحسين شروط تداولها في المنتديات الدولية. وقد تضاعف الخلل مع وجود نخب سياسية مثقلة بالأعطاب بدورها مادامت تختزل العمل السياسي في الانكباب، برداءة وتشنج، على الوضع الحزبيالخاص بها، في نزوع واضح للتصارع الانتهازي حول الكراسي والمواقع وكل أوهام التسلق السياسي والاجتماعي.

إزاء هذا الوضع نقرأ نازلة السويد اليوم كحصيلة طبيعية لصيغة تدبيرنا لملف السفارات وللملف والدبلوماسي بشكل عام، وكحصيلة لقصور وعي النخب الحزبية والمدنية لحقيقة الصراعات على المستوى الدولي. وإزاء هذا الوضع كذلك تطرح على المغرب مهام جسيمة لاستدراك الزمن الضائع، ومن هذه المهام:

- إعادة النظر في تدبير الملف بما يجعل الترشح لمهام السفارة عملا نضاليا

وطنيا لا يعني الإقدام على نزهة سياحية، ولكنه يعني الوقوف على جبهة

الحرب من أجل إعلاء الكلمة الوطنية.

- جعل الملف الدبلوماسي شأنا مجتمعيا وسياسيا عاما لا مسألة حكومية خاصة، وذلك يقتضي إشراك كل الأطياف السياسية الوطنية في تدبير تفاصيل الملف وأبعاده، وربط المسؤولية في هذا المجال بالمحاسبة . وفي هذا الإطار يمكن للعقل المغربي أن يبتكر أساليب غير مسبوقة بالنظر إلى حساسية قضيتنا الوطنية مثل التفكير جديا في تعيين ملحق حزبي (حسب العائلات السياسية) بكل سفارة مغربية، على أساس أن يتم توزيع هؤلاء الدبلوماسيين الحزبيين على الدول بحسب العائلات الفكرية والسياسية الحاكمة في هذه الدول التي قد ينتمي بعضها إلى الأممية الاشتراكية، وبعضها الآخر إلى أممية ليبيرالية أو تكتلات دينية محافظة أو غيرها. (انظر افتتاحية هذا العدد).

إن من شأن مثل هذا الاقتراح أن يعزز الوجود الدبلوماسي المغربي في الخارج، وأن يخلق جسورا للتفاهم مع المحيط الدولي قد تكون لها مردودية إضافية تعزز مردودية الكثير من الأطر التي تمتلئ بها سفاراتنا اليوم.

- أما المهمة الأخيرة فتتمثل في وجوب سن مقاربة جديدة لملف الصحراء تقوم، في المنطلق، على تحقيق الإنصاف والمصالحة بمنهجية عقلانية جديدة تقطع مع سلوك الماضي وضغائنه، وتؤسس لسلوك مغاير قائم على الثقة المتبادلة بين كل الأطراف.

إن من الممكن جدا لمثل هذه المنهجية الجديدة أن تغير في المعادلات السياسية الوطنية والدولية، وأن تمنح لملفاتنا في الخارج نفسا مختلفا يعي بأن اللغة الدبلوماسية تقتضي سياسة المصالح أولا وأخيرا، لكنها تقتضي، أيضا ممارسة غير تقليدية تقوم على اعتبارات الكفاءة والذكاء السياسي، والحديث إلى عالم اليوم بلغات جديدة.

 

تفاصيل أخرى تجدونها في العدد الأخير من أسبوعية " الوطن الآن " الذي يوجد بالأكشاك