بعد أن أسدل الستار عن النتائج الانتخابية للجماعات المحلية والجهوية لمختلف الأحزاب المشاركة، وبعد أن تشكلت مجالسها في كل أنحاء المغرب، لاحظ كل متتبع للمشهد السياسي، أن الذين لم يظفروا بمقاعد التسيير، نتيجة تحالف مباغت أو أغلبية فسيفسائية، كان نكوصهم وتراجعهم عن الحماس الذي كان يغمرهم أثناء الحملات الانتخابية (بغض النظر عن الوسائل المستعملة في التعبير عن ذلك الحماس) بمثابة فسخ لتعاقد أدبي وسياسي واجتماعي وأخلاقي بين الناخب والمنتخب.. ولعل من الأسباب الداعية إلى ذلك، سببين أساسيين :
السبــب الأول: أن الفائز باستحقاقات 4 شتنبر من موقعه كسياسي أو كحزبي ينظر إلى أن تسيير الشأن المحلي أو الجهوي لا يتحقق إلا إذا كان على رأس المسؤولية وحظي بسلطة التسيير، إذ لا يسعفه إبعاده عن مراكز القرار في تسطير برنامجه وتنفيذه على أرض الواقع ما لم يملك من الآليات المباشرة في تنزيل كل ذلك، وهذا اعتقاد خاطئ يشل الحراك السياسي ويقضي على المعارضة البناءة النقدية في نفس الوقت.
السبــب الثانـي: إن الفائز/ الخاسر، أي الذي حظي بثقة الناخب يوم الاقتراع، ولم يتمكن من كسب رهان التسيير، يصاب بالإحباط والتذمر، فيتراجع إلى أن ينسحب مع مرور الوقت، وقد لا يتدخل خلال الولاية كلها، أي أن معيار الاستحقاق لديه، هو هوس السلطة وكرسي التسيير، ولعل هذا السلوك السلبي يحمل تداعيات خطيرة :
أولا: خيانة الأمانة والثقة التي وضعها الناخب في عهدته عندما قام بالتصويت عليه.
ثانيا: المساهمة في العزوف الانتخابي بشكل غير مباشر، وذلك عندما لا يمارس المنتخب الدور المنوط به من موقعه كمعارض.
ثالثا: يفسح المجال لمكاتب التسيير للعبث بقرارات قد يكون لها انعكاس مباشر على كثير من المجالات الحيوية للمدينة أو الجماعة بشكل سلبي.
رابعا: يتخلى عن مهامه كمنتخب معارض ويقظ من شأنه أن يتصدى لكل سلوك أو قرار لا يخدم مصلحة الناخب بغض النظر عن اللون السياسي.
لذلك، نجد أن الناخب مدعو بالأساس في خضم هذا التجاذب إلى أن يمارس ديمقراطية من نوع خاص، أو ما يسمى بالديمقراطية التشاركية، حيث يراقب المجتمع المدني أعمال المجالس المنتخبة بكل الآليات الممكنة بدءا بحضور مناقشة الدورات وانتهاء بتنفيذ برامجها بتدقيق، وإن كان هذا الأمر موكول دستوريا إلى الأحزاب السياسية وفق مواد الدستور التي أناطت بها تأهيل المواطن وتأطيره في تسيير الشأن المحلي بكفاءة ومسؤولية.. بيد أنه في غياب ذلك، يستلزم الأمر أن يبادر المجتمع المدني إلى تعويض هذا النقص باقتحام المجالس وتشديد الرقابة عليها وتزويدها بما يمكن أن يساهم في بلورة مشاريعها بما يتماشى مع التخليق والشفافية والإنتاج ومحاربة الرشوة واقتصاد الريع.