الخميس 21 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

إسماعيل الحلوتي: انسحاب شباط.. مناورة سياسية أم خبطة عشوائية؟ !

إسماعيل الحلوتي: انسحاب شباط.. مناورة سياسية أم خبطة عشوائية؟ !

بعد إسدال الستار على انتخابات الرابع شتنبر 2015 والتي تلتها ابتداء من يوم 14 شتنبر 2015، المتعلقة باختيار رؤساء الجهات والبلديات، أجمع المهتمون بالحقل السياسي، أن المغرب يسير بخطى ثابتة نحو تعزيز الخيار الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات الدستورية القوية، رغم وعورة الطريق وما شاب هذه التجربة الفتية من ردود فعل متباينة، تقتضي الضرورة تعميقها وتطويرها نحو الأفضل، حتى ترقى إلى مستوى تطلعات الجماهير الشعبية.

وبناء على ما أثاره قرار الأمين العام لحزب الاستقلال السيد حميد شباط، من زوبعة أربكت المشهد السياسي، بإعلانه المباغت عن انسحابه من المعارضة وفك الارتباط مع حزب الأصالة والمعاصرة والاتجاه إلى المساندة النقدية للحكومة، ودعوة أعضاء حزبه إلى دعم مرشحي حزب "العدالة والتنمية" في انتخابات بعض الجهات. اعتبر عديد من الناس أن المسألة مجرد رد فعل متسرع، يتحكم فيه عاملان: يتعلق أولهما بغضبه الشديد عما أقدمت عليه ساكنة العاصمة العلمية، باختيارها التصويت لصالح حزب "المصباح"، الذي أبهرت نتائجه الجميع، وخولت له إحكام قبضته على المدن الكبرى واحتلال المرتبة الأولى في الانتخابات الجهوية والثالثة في نظيرتها الجماعية، وإن لم تكن مقتنعة بمشروعه، ولا راضية عن سياسة أمينه العام ورئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران، الذي فشل في تدبير شؤون البلاد والعباد، وإنما لمعاقبة عمدة مدينتهم، بعد أن رأى الكثيرون في انسحابه من الحكومة والتفرغ لملاحقة أخطاء غريمه اللدود بنكيران، مغامرة سياسية وإهمالا كبيرا لشؤون مدينتهم ومصالحهم اليومية...

فقد كان تصويت أهل فاس عقابيا، أدى ثمنه غاليا بفقدانه مدينة ظل يعتبرها قلعته "الحصينة"، وشكل له صفعة قوية هزت كيانه وأخرجته عن طوره، حتى لم يعد يقوى على ضبط انفعالاته.

أما العامل الثاني فيرتبط بذلك الضغط القوي، المترتب عن ارتفاع الأصوات المطالبة بتقديم استقالته، وفاء لما قطعه على نفسه من وعد بذلك في حالة عدم حصول حزبه على المرتبة الأولى، كما ورد على لسانه في البرنامج الحواري "ضيف الأولى" بالقناة الوطنية الأولى، ويأتي على رأس المنادين بهذه الاستقالة رئيس الحكومة، ويليه "تيار بلا هوادة" المعارض له، والذي يقوده السيد عبد الواحد الفاسي، نجل الزعيم الراحل علال الفاسي رحمه الله.

وكيفما كانت الظروف، فإنه من واجب رجل السياسة المحنك والخبير بتقلبات أجوائها، أن يواجه المحن مهما اشتدت حدتها برصانة وثبات، ويظل ملتزما أخلاقيا بمواثيق الشرف التي تربطه بأعضاء حزبه وأنصاره وحلفائه سواء في الأغلبية أم في المعارضة، وأن يتخذ القرارات الحاسمة بحكمة وتبصر، بعيدا عن التشنج والارتجال والعشوائية...

فعلى خلفية خسارة حزب الاستقلال لعدد من المدن، كان يعتبرها قلاعا انتخابية منيعة، وما رافق ذلك من توجيه انتقادات شديدة اللهجة لأمينه العام، باعتباره المسؤول الأول عما تعرض له الحزب من هزات منذ إشرافه على قيادته، جراء سوء إدارة المرحلة السياسية... وفي غفلة من الجميع، وتيمنا بالمثل القائل "الراس لي ما يدور كدية"، استدعى على عجل أعضاء اللجنة التنفيذية ليلة الأحد 13 شتنبر 2015 في الساعة السابعة مساء، لحضور اجتماع طارئ بمقر الحزب في الرباط، حضره 5 أعضاء فقط من 26 عضوا، حيث اعتذر البعض لاعتبارات خارجة عن إرادته فيما تمرد البعض الآخر، حسب ما تداولته بعض الصحف. وبإصرار كبير، انعقد الاجتماع بمن حضر، واستمر النقاش إلى غاية الواحدة من صباح يوم الاثنين 14 شتنبر 2015 المحدد سلفا لإجراء انتخابات رؤساء الجهات، لينتهي في جو مشحون بخلاصة ما سبق ذكره من قرارات، أقل ما يقال عنها إنها اعتباطية وبلا قيمة سياسية في غياب بيان رسمي، فضلا عن إعلانه سحب ترشيحه لرئاسة جهة فاس- مكناس أمام الأمين العام لحزب "الحركة الشعبية" السيد امحند العنصر، ثم الانسحاب من منافسة الوزير المكلف بالميزانية ادريس الأزمي الإدريسي عن عمودية مدينة فاس...

إنه بحق، الفجور السياسي في أبهى تجلياته، هذا الذي يعكر صفو أمزجتنا ويسيء إلى سمعة بلادنا، وتتجاوز خطورته بكثير كشف الراقصة الأمريكية جنيفر لوبيز عن مؤخرتها في مهرجان موازين، ومشاهد الخلاعة في شريط نبيل عيوش "الزين لي فيك"، مما يستدعي انتفاضة شعبية حقيقية ضد هذا العري السياسي المستفز. وإلا ما معنى أن يستبشر المغاربة خيرا بالمشاركة الشعبية المشجعة والبالغة نسبتها 53,67%، وبما لوحظ من نضج ووعي لدى ناخبين لم يترددوا في معاقبة المخالفين لوعودهم، ودحر الكثير من رموز الفساد، ثم يباغتون بتعارض انتخابات المجالس الجهوية والجماعية مع روح دستور 2011، إثر ما شكلته نتائجها من اغتيال لإرادتهم ومجزرة للديمقراطية، من حيث التدليس وطبخ التحالفات وعقد الصفقات السياسية والمالية؟ وكيف نفسر الاتهامات المتبادلة بين الأحزاب حول الخيانة وعدم الالتزام بميثاق الشرف، في الأغلبية كما في المعارضة؟ اختلط الحابل بالنابل، وأبان ما اعتقدناه تمرينا ديمقراطيا، عن ضعف تأطير الأحزاب لمناضليها وخاصة منهم الفائزين في الانتخابات، فضلا عن تذبذب مواقفها السياسية وهشاشة ارتباطاتها وتحالفاتها...

وبالعودة إلى قرارات السيد شباط الانفرادية دون مراجعة حلفائه، والاحتجاج عما اعتبره مناقضا لما يجمع بينهم من تعاقد، ولا انتظار حضور كافة أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب وإصدار بيان رسمي، فإننا نرى أنه زاد المشهد السياسي سريالية، وأضر بمصداقيته وبصورة الفاعلين السياسيين عامة وأمناء الأحزاب خاصة، وأساء أيضا إلى تاريخ الحزب العريق الذي يقوده. فمنذ انتخابه أمينا عاما وهو يناور إلى أن أعلن انسحابه من الحكومة. وقبل إجراء الانتخابات بقليل، هدد بإمكانية الانسحاب ما لم تحترم إرادة الناخبين ونزاهة الانتخابات وشفافيتها. وها هو يعود اليوم، بعد أن سبق له التشكيك في نتائجها وتحميل المسؤولية لرئيس الحكومة، باعتباره المشرف الرئيسي على سيرها، ويعلن عن انسحابه من المعارضة والاتجاه صوب مساندة من ظل ينعته بأقذع النعوت، ناسيا أنه بذلك يرفع من أسهمه في "بورصة" الانتخابات التشريعية القادمة، ويعبد له الطريق نحو ولاية جديدة، في وقت يضرب حلفاءه في مقتل.

فما الهدف من قلب الطاولة عليهم؟ أهو تكتيك سياسي أم قرار ارتجالي قد يكون له ما بعده؟ أهي تداعيات الهزيمة النكراء، أم هي رسائل مشفرة لمن يهمه الأمر كوسيلة للضغط والتفاوض؟ وحدها الأيام القادمة ستكشف عن السر المكنون !

فبإقدامه على قفزة "الكاميكاز" هذه، يكون قد بصم بأصابعه العشرة على شهادة انتحاره السياسي، وفتح الباب على مصراعيه أمام الكثير من التأويلات، لعل أبرزها ما ذهب إليه البعض من محاولته امتصاص الغضب ولفت الأنظار عن مطالبته بالاستقالة، وكسب ود "بنزيدان" و"الداعشي" عمدة فاس الجديد، تفاديا لفتح ملفات سوء تسيير العاصمة العلمية وحماية ما اكتنزه من ثروات ضخمة...

ترى هل يغفر له بنكيران ما أحدثه له من جراح عميقة طوال مدة ولايته الحكومية؟