السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

ذ.الكبير الداديسي: انطباعات عن الإنتخابات في المغرب

ذ.الكبير الداديسي: انطباعات عن الإنتخابات في المغرب

تخلق الإنتخابات في الدول العربية، رغم اختلاف المواقف، حراكا اقتصاديا، نفسيا، سياسيا، ثقافيا واجتماعيا، فهي فرصة موسمية ليست متاحة دائما، لذلك فهي تحتاج: لدراسة متخصصين نفسانيين يقاربون السلوك الإنتخابي سواء للمرشح أو الناخب في هذه المرحلة الحرجة التي سترسم ملامح ترهن البلاد برمتها لمدة خمس أو ست سنوات، ومقاربة الإقتصاديين يدرسون فيها الرواج الإقتصادي خلال مرحلة الإنتخابات سواء في المطابع التي لو انتظرت طبع الكتب الثقافية لأغلقت أبوابها، أو فرص الشغل التي يتم فيها توظيف شبان وشابات في الحملات الدعائية مقابل أجر يومي أو أسبوعي حسب الاتفاق، ناهيك عن الأموال التي تدفعها الدولة دعما للهيآت السياسية أو التي يصرفها المرشحون على حملاتهم دون الحديث عما يروج عن الرشاوى وشراء الذمم أو التزكيات .....

لكننا سنقتصر في هذا المقال على سوسيولوجيا الإنتخابات لنؤكد على بعض التمظهرات الإجتماعية  المصاحبة  للإنتخابات، مشيرين أن الموضوع مجرد مقال يتضمن محاور عامة كل محور قابل لأن يكون مجال بحث خاص، كما يتضمن فرضيات عامة انطلاقا من المعاينة المباشرة وليس بالإعتماد على دراسة ميدانية على أننا قد نعود لتأكيد أو دحض هذه الفرضيات بعد إعلان النتائج:

تتميز الإنتخابات في المغرب بخصائص وتفاعلات اجتماعية يتداخل فيها الديني بالإقتصادي بالسياسي بالأنتروبولوجي، لذلك يمكن مقاربة سوسيولوجيا الإنتخابات في المغرب من خلال محاور كثيرة أهمها:

جغرافية الإنتخابات بين القرية والمدينة: للجغرافيا دور هام في الإنتخابات المغربية سواء في الحملات أو التفاعل مع أجواء الإنتخابات، فأجواء البادية غير أجواء المدينة، ففي البادية يتم اغتنام الأسواق الأسبوعية والمواسم والأعراس والمآتم لتمرير الخطابات، وقد تتحكم في ذلك العلاقات العشائرية والقبلية خاصة مع اتساع مساحة الدوائر النتخابية في ظل تبني الاقتراع باللائحة ، وغالبا ما يسود شعار (انصر ابن قبيلتك ظالما أو مظلوما)، فتميل بالطبع والفطرة كل قبيلة إلى مناصرة ابنها على ابن القبيلة الجارة أو على المنافس الغريب، وربما هذا ما يفسر ارتفاع نسب المشاركة في القرى والبوادي عليها في المدن والحواضر التي تتدنى فيها المشاركة: كما يمكن التمييز داخل المدينة بين المركز والضاحية، وبين الأحياء الراقية والشعبية.

الأمية والإنتخابات: تتجاوز نسبة الأمية في المغرب ثلث سكان المملكة، حسب آخر إحصاء، وتزداد هذه النسبة في صفوف كبار السن وهم الذين يمثلون القاعدة العريضة في الهيئة الناخبة، بتخلي المغرب عن نظام الاقتراع الفردي المباشر واعتماد نظام القوائم وضرورة استعمال القلم في الإقتراع. يبدو أن الأمية ستلعب دورها في نتائج الانتخابات، فأكيد أن عددا هائلا من الناخبين (كبار السن في المغرب العميق  خاصة) سيجدون أنفسهم مجبرون على التعامل مع القلم لأول مرة في حياتهم وسيكون القلم أثقل من الفأس بين أناملهم، وإذا أضفنا إلى ذلك تعدد اللوائح (لائحة محلية، لائحة جهوية واحدة للنساء وأخرى للرجال) سنعرف أن الأمية ستكون حجرة عثرة أمام الناخبين في اختيار مرشحيهم، خاصة أمام تعدد الرموز بتعدد الأحزاب التي تناسلت في السنوات الأخيرة، وإذا أضيفت إليها قوائم اللامنتمين سيعرف المتتبع مدى الصعوبة التي سيواجهها الإنسان الأمي ليضع دقيقة في إطار صغير محدد دون أن يخرج على الإطار، وهو ما يبشر بارتفاع نسبة البطائق الملغاة. 

مقاربة النوع  بين المرأة والرجلالإنتخابات في المغربوفي العالم العربيانتخابات ذكورية بامتياز،  فعلى الرغم من كون المغرب من الدول العربية السباقة لإدماج المرأة في الحياة السياسية، فلا زال حضورها محتشما، وقلما تجرأت أحزاب على وضع امرأة على رأس لوائحها الإنتخابية. من هذه الناحية تبدو ظاهرة تخصيص لوائح خاصة بالنساء تمييزا إيجابيا مقبولا لدى معظم المغاربة رغم أنه يضرب مبدأ تكافؤ الفرض ورفض كل أشكال التمييز في العمق، وسيكون للمرأة دور هام في العملية الإنتخابية، فهي غدت تمثل أكثر من نصف المجتمع، ومن غير المنطقي أن يظل نصف المجتمع مشلولا.

هل من دور للحملة الإنتخابية: لا شك أن معظم المتتبعين للحملة الإنتخابية هذه السنة مدركون أن أنها حملة باردة، بل من السكان من لم يشعر بوجودها، وأنها حملة تكاد تعمل في السر ولا ظهور لها على الشوارع لولا وجود بعض الأوراق تلاعبها الرياح في بعض ملتقيات الطرق أو بعض الأطفال الذين يستهويهم جمع قصاصات الأوراق وترتيبها واكتشاف صور بعض الوجوه والرموز، وكأن الأحزاب اقتنعت أن وضع ملصقات ولافتات في الطرف وعلى واجهة البنايات لن يؤثر في الناخبين، كما أن تجنيد الشبان وتكليفهم بتوزيع أوراق تضم وجوها ورموزا على المارة لن يغير في الواقع شيئا، ولن يكون كافيا لإقناع الناخب بتغيير رأيه والإقتناع بالمرشح. ربما لهذه الأسباب تكاد تكون الحملة الإنتخابية عديمة الجدوى. ويرى البعض أن  طبع الأوراق والملصقات وطبع صور المرشحين ورموزهم على الملابس والقبعات ... سوى تبذير للمال والجهد. 

التدخل الديني في الإنتخابات العربية: على الرغم من كون العملية الإنتخابية عملية سياسية صرفة، وعلى الرغم من منع القوانين المغربية لتوظيف الدين لأغراض سياسية، فإن للدين دورا أساسيا في الإنتخابات المغربية مثلا، ولعل أول تجل للدين في هذه اللعبة هو حرص المغرب على إجراء في كل مرة يوم الجمعة. ينضاف إلى ذلك  كون عدد كبير من اللاعبين السياسيين في هذه الإنتخابات يعزفون من قريب أو من بعيد على وثر الدين سواء كانوا من الداعين للإنتخاب (حزب الإستقلال، حزب الفضيلة وحزب العدالة والتنمية)، أو من الداعين لمقاطعة الإنتخابات ورفض اللعبة برمتها (جماعة العدل والإحسان)، ومن ثمة فللعامل الديني دور أساسي في العملية الإنتخابية ولو في السر.

المراهنة على الشباب: يراهن المتحكمون في خيوط اللعبة السياسية بالمغرب على الشباب باعتبارهم يشكلون قاعدة هامة في هرم الساكنة المغربية، لذلك خفض المشرع سن التصويت وسن الترشح في محاولة لاستقطاب الشباب وحثه على ولوج غمار اللعبة السياسية، لكن لن يكون لكل هذه المحاولات إلا أثر ضئيل ما لم تشارك الأحزاب في تأطير الشباب وإعادة إحياء شبيبة الأحزاب كجمعيات فاعلة في الحياة السياسية، وإقتناع قادة الأحزاب بهذا الدور، وهم الذين استفادوا من الفرص التي أتيحت لهم  عندما كانوا شبابا: فمعظم قادة الأحزاب حاليا سمح لهم بالقيادة في شبابهم سواء من خلال تشجيعهم على الكتابة في جرائد الأحزاب أو ترأس شبيبة الحزب وتمثيله في الوطن وخارجه، والإستفادة من التكوين والتأطير الذي يخوله الحزب لمنخرطيه، ولما تولوا مسؤولية الأحزاب حولوا مقراتها إلى أوكار للدعارة السياسية الموسمية وهمشوا الشباب. فأكثر الشبان لا يعرفون الأحزاب السياسية ولا يسمعون عنها إلا خلال مرحة الإنتخابات مما أفقد الثقة بين  الشباب والأحزاب .. كما أن معظم الشبان مقتنعون بميلاد طبقة جديدة من التقنوقراط  مؤهلة أكثر من غيرها للإستوزار والمناصب العليا أكثر من غيرها إما بسبب تعليمها أو بسبب علاقاتها، لذا قد يكون الرهان على الشباب رهانا خاسرا، فالشباب ليس مجرد أصواتا انتخابية، وإنما هو قضايا معاشة تتعلق بالتشغيل، والتعليم، والتنشئة الإجتماعية ووو..    

 بين المقاطعة / العزوف: لن نتحدث في هذه النقطة عن العزوف أو المشاركة في الحياة السياسية، لأن السياسة حاضرة بقوة في صفوف الشباب ونقاشاتهم واهتماماتهم، ولكن سنقف على العزوف / المشاركة في الإنتخابات إيمانا منا بأن الشباب واع بخيوط اللعبة السياسية، وما نسبة المشاركة في الإنتخابات الأخيرة إلا دليل واضح على هذا العزوف، وإذا حاولنا البحث عن أسباب عزوف الشباب عن الإنتخابات فيمكن إرجاعها إلى غياب "كاريزم" الحزب القادرعلى تقديم القدوة، وغياب المثقف العضوي الفاعل والمؤثر في الشباب، إضافة إلى كون فئة الشباب عرفت انتكاسات كبيرة راجعة إلى اختلاط الأوراق أمامها، وانتشار البطالة في صفوف الفئة المتعلمة منها، مما دفع بالعديد من الشباب المغربي إلى البحث عن ملاذ لم يكن سوى العزوف عن كل شيء، عن التعلم عن الرياضة وعن السياسية .. ومنهم من اختار العزوف عن الوطن كله وركوب قوارب الموت.

البرنامج أم الشخص: على الرغم من كثرة الأحزاب السياسية المشاركة في انتخابات 4 شتنبر 2015 بالمغرب، فإن معظم المغاربة لا يختارون الأحزاب والبرامج الحزبية، بل إن الكثير منهم لا يعير أي اهتمام لتلك الخطب الخشبية التي يتفضل أعضاء الأحزاب على إلقائها عبر الإذاعات والقنوات التلفزية الوطنية، وهذا ما جعل معظم الأحزاب تتخلى على مناضليها ومثقفيها وتزكية شخصيات يعتقد أنها قادرة على كسب أصوات الناخبين، إما لشهرتها أو لمالها أو مكانتها الاجتماعية، فوجدنا منها من يرشح فنانين أو إعلاميين أو مقاولين مع شبه غياب للمثقفين، كما أن عدة أحزاب تتسابق على ضم رؤساء الجماعات القروية والحضرية إلى صفوفها لقناعتها أن هؤلاء الرؤساء يخبرون دواليب العلاقات في العملية الإنتخابية، وهذا ما يفسر وجود عدد منهم على رؤوس اللوائح الإنتخابية ولو اضطرهم الأمر إلى تغيير لونهم الحزبي.

هذا مجرد انطباعات ذاتية على بعض جوانب سوسيو لوجيا الإنتخابات في المغرب، ولنا عودة بعد إعلان النتائج  لمقاربة هذه المظاهر وتحليل النتائج.