سمات جديدة وواقعية تلك التي أضحت تميز الخطب الملكية، خلال السنوات الأخيرة بعد الخطبة المفصلية للتاسع من مارس 2011 . خطبة الاستقرار والتهدئة.
اليوم في خطابه الاخير بمناسبة ذكرى عيدي الشباب وثورة الملك والشعب في سنتها الثانيةوالسيتين طرح الملك محمد السادس قضايا الديمقراطية المحلية والأمن كقضايامركزية وتأسيسية.
فالخطاب لغة وبناء ومحتوى اتسم بالوضوح والواقعية والصراحة والمكاشفة. خطاب بيداغوجي ديداكتيكي بامتياز.
وبعيدا عن المحاور الاخرى التي طرحها الملك في خطابه الموجه، من قبيل الأمن والإرهاب واحترام المقدسات الدينية والضرب بيد من حديد على كل عصابات الشغب والبلبلة والترهيب، خاصة من الوافدين من بؤر التوتر على بلدنا المستقر..
سأتناول النقطة المحورية التي احتلت مساحة واسعة في الخطاب، المتعلقة بالديمقراطية المحلية، وبالتحديد التمرين الديمقراطي الذي سيشهده المغرب خلال شهر شتنبر، الانتخابات الجماعية والجهوية.
لقد جعل طرح الممارسة الانتخابية، والمثلث الانتخابي بين المنتخب والمنتخب والمادة الانتخابية من الملك معلما وبيداغوجيا يقدم الدروس والحصص غير المؤدى عنها لشعبه المصوت من الطبقات المعدومة والفقيرة، بل الامية التي تمثل الفريسة السهلة واللقمة السائغة لتجار الانتخابات ومصاصي الدماء البشرية خلال هذه المناسبات الاحتفالية.
لقد وضع الملك اليوم الرسائل المستعجلة بين أيدي الأحزاب السياسية الانتخابوية من جهة والمواطنين الاميين والمتاجرين باصواتهم من جهة اخرى.
وفي هذا السياق خاض المعلم الموجه لشعبه في امرين أساسيين:
تقديم المحددات والسمات والخصيصات التي ينبغي ان يكون عليها الناخب والمنتخب على السواء. اما بالنسبة للناخب فهو يتحمل المسؤولية في ما يقع، وعليه ان يقرر بين تغيير الواقع المرير المازوم أو الحفاظ على الفساد السائد. "حتى تكون الأمور مفهومة عند عموم المواطنين، فقد ارتأينا أن نوضح لهم مهام كل مؤسسة، ودورها وتأثيرها في حياتهم، لأن من حقهم أن يعرفوا كل شيء عن مؤسساتهم، ليتخذوا القرار ويحسنوا الاختيار".
إذن كل المسؤولية ملقاة على كاهل المواطن، وهنا بدأ الدرس البيداغوجي للملك اتجاه الطبقة المصوتة الأمية التي يتم استغلالها سياسيا من لدن قناصي الفرص والانتخابات. ولعل هذا التوجه في لغة الخطاب الملكي شكل انعطافة حاسمة في مسار الخطب الملكية، إذ إذ نجد ملكا يعلم ويوجه ويرشد هذه الفئة إلى المعرفة وضبط مهام وتخصصات المسؤول المنتخب، لتمييز الحابل من النابل، والكف عن النظر إلى العملية الانتخابية مجرد لحظة تقنية غير مؤثرة في تحديد السياسات العمومية وخلق الثروة وخلق شروط الحياة الكريمة.
"على المواطن أن يعرف أن المسؤولين عن هذه الخدمات الإدارية والاجتماعية، التي يحتاجها في حياته اليومية، هم المنتخبون الذين يصوت عليهم، في الجماعة والجهة، لتدبير شؤونه المحلية. وعكس ما يعتقده البعض، فإن المنتخب البرلماني لا علاقة له بتدبير الشؤون المحلية للمواطنين. فهو مسؤول على اقتراح ومناقشة القوانين، والتصويت عليها، ومراقبة عمل الحكومة، وتقييم السياسات العمومية".
النقطة الثانية تتعلق بالمنتخب وما ينبغي أن يكون عليه للولوج
إلى دواليب الفعل الانتخابي، من مواصفات ومعايير ذاتية وموضوعية
فالانتخابات ليست مجرد وظيفةيعتاش بها المنتخب ويحقق بها مكاسب شخصية وعائلية كبرى وفادحة كما هو الشأن اليوم في الأوساط السياسية المغربية، التي جعلت من السياسة مجالا خصبا للثراء والاغتناء والسلطة على حساب مصالح الوطن ومكاسب المواطن الفقير المعدوم الامي..
فالترشح للانتخابات مسؤولية وتكليف قبل أن يكون تشريف ووسام يعلق على صدور الفارغين عقلا و نضجا.
وهؤلاء هم الذين ابتلينا بهم اليوم في ساحتنا السياسية المترهلة، وفي مقدمتهم كبيرهم الذي علمهم السحر والدجل واللاهوت.. رئيس حكومتنا المحترم، الذي يجيد لعبة الضجيج المنظم.
وفي غياب للفكر السياسي الناضج ببلدي، وافتقارا للبرامج الواقعية والأفكار والإيديولوجيات النافعة لهذا الوطن البئيس، يتم استبدال الزعيق والنهيق والضجيج المنظم بالصراع على البرامج والأفكار لخدمة الوطن اولا.
"هناك بعض المنتخبين يظنون أن دورهم يقتصر على الترشح فقط. وليس من أجل العمل. وعندما يفوزون في الانتخابات، يختفون لخمس أو ست سنوات، ولا يظهرون إلا مع الانتخابات الموالية" معتبرا أن "التصويت لا ينبغي أن يكون لفائدة المرشح الذي يكثر من الكلام، ويرفع صوته أكثر من الآخرين، بشعارات فارغة أو لمن يقدم بعض الدراهم، خلال الفترات الانتخابية، ويبيع الوعود الكاذبة للمواطنين".
فصل القول، اليوم يتم التاسيس لجيل جديد من الخطب الملكية التي تعترف بمرحلة سياسية سابقة فاسدة تم رعايتها في سياق معين، فكبرت لتحصد الأخضر واليابس في مسار توزيع ثرواتنا المستحقة وقاطعة الطريق امام مسارات التنمية والتمدن والتحضر العقلي في سلوكنا السياسي والاجتماعي المختل.