الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

حسن حوريكي:آن الأوان لاحتضان تصورات الحركة الأمازيغية بدل التهجم عليها

حسن حوريكي:آن الأوان لاحتضان تصورات الحركة الأمازيغية بدل التهجم عليها

يلاحظ المتتبع للمكاسب التي حصلت عليها الامازيغية أنها لا زالت تراوح مكانها، ولم تجد طريقها للتطبيق بشكل جدي،كما يلاحظ ان العديد من المثقفين والأحزاب والمؤسسات لا زالت تتعامل مع المسالة كأنها ثانوية ،كما أن البعض لا زال يعارض أي حديث عن هذه اللغة ،ويظهر ذلك من خلال ردود الفعل العنيفة إزاء أي موضوع يتناول الأمازيغية ، كما هو الحال مثلا بالمواقع الالكترونية ،حيث تجد فئة من المعلقين والردود لا زالت تتهجم على الحركة الأمازيغية، عبر استعمال ترسانة من التهم مثل "العمالة للأجنبي "وتهديد الوحدة الوطنية، بل إن البعض يصل إلى مستوى هزيل بسلم(بضم السين) أدبيات الحوار عبر السب والشتم
لذا فان هذا الموضوع يأتي ليؤكد باختصار وبدون إطالة وللتذكير (لان الذكرى تنفع الأمم والمجتمعات وحتى الأفراد،) بان مبادئ وأفكار هذه الحركة لا تهدد البلاد بل هي في مصلحة البلدان والعباد-خاصة في هذه الظروف التي وصلت إليها بعض المجتمعات من العالم الإسلامي-لاعتبارات عديدة أهمها=
_منظورها الجديد للوحدة=والذي جعلها تضع يدها على أصل الداء الذي عصف ولازال يعصف بالعديد من الدول والمجتمعات ،ويتمثل هذا المنظور في دعوتها إلى تجاوز التصور الكلياني للمجتمع والوحدة ،والأخذ بالتصور العلمي القائم على "الوحدة في التنوع"،(الذي هو شعار مركزي في أدبيات الحركة)
فهذا التصور الجديد للوحدة الذي ما فتأت هذه الحركة تدعو إليه بشكل حضاري، يمثل ثورة فكرية كبرى بالمنطقة،'وتمثل مظهرا من مظاهر القيمة المضافة لهذه الحركة ودررها، لأنه عكس ما اعتقد البعض ولا زال يعتقد ،التصور الشمولي والكلياني لا يخلق الوحدة بل يؤدي إلى الاقتتال والتناحر وبحجة التاريخ =فاللغة الواحدة والدين الواحد لم يمنع المسلمين من التناحر بينهم أيما تناحر،ودليلنا مثلا "الفتنة الكبرى "وغيرها من الفتن التي عرفها العالم الإسلامي .وبحجة الواقع الذي( لا يعلى عليه فهو الذي يؤكد صحة أو خطأ أي رأي، ويحسم النقاش حتى لا يتحول إلى ثرثرة،)يؤكد أيضا وانطلاقا من واقع العالم الإسلامي في الوقت الحاضر بان اللغة الواحدة والدين الواحد لم يمنعا المسلمين من الاقتتال بينهم (سوريا ،العراق ليبيا ،اليمن ... )،وهذا التصور ينطبق أيضا على المجتمعات غير الإسلامية =فالدول التي عارضت التنوع أصبحت في عداد التاريخ والدول التي حافظت على وحدتها ونفسها هي التي أخذت بالتصور الجديد للوحدة،والاتحادات الناجحة في العالم المعاصر مثل "الاتحاد الأوربي" ترتكز على احترام التنوع وتعتبره مقدسا لأنه مصدر القوة لذا ما أحوج العالم الإسلامي ـ الذي يمر بفترات عصيبة والمتمثلة في الصراعات والتطاحنات بين أبنائه والناتجة عن ضعف ثقافة احترام الاختلاف، و التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من التدهور ـإلى التصور الذي تطرحه هذه الحركة للوحدة
_ دعوتها ونضالها الحضاري لإعادة الاعتبار للغات الأم بالمغرب= فهذا العمل من التجليات الكبرى لخدمات هذه الحركة وقيمها المضافة لخدمة هذا المجتمع، فعكس ما يعتقد العديد من الذين عملت فيهم وسائل التنشئة الاجتماعية التي انتصرت وروجت لمدة طويلة للثقافة الواحدة واللغة الواحدة، فلا تطور بدون اللغات الأم= فالدول الأوربية لم تنجز نهضتها إلا بعدما أعادت الاعتبار للغات الأم للشعوب الأوربية من فرنسية وانجليزية وألمانية و و و التي كان الفكر الإقطاعي يعتبرها لهجات ،فانا شخصيا أصاب بالحيرة عندما تجد شخصا يدعو إلى النهضة والحداثة، ولكن في نفس الوقت ينتصب ضد أدا ةأساسية لا محيد عنها لتحقيق النهضة والحداثة والمتمثلة في اللغة الأم ،التي بدونها تنفصل المدرسة عن المجتمع و يصعب امتلاك لغات العلم ،وتبقى فئات عريضة عرضة للأمية الشيء الذي يحول دون إقامة مجتمع العلم المعرفة
_كما أن هذه الحركة الحداثية ما فتئت تدعو إلى التشبث بالأرض والوطن و خصوصياته دون الوقوع في الانغلاق ،لان الثقافة الكونية جزء من ثقافة المغرب المتعددة ،إيمانا منها من أن الذي لا يرتبط بوطنه لا يمكن أن يخدم هذا الوطن ولا أمته ولا الإنسانية ،بل لا يمكن أن يخدم حتى نفسه وهذا ما يؤكده الواقع حيث نرى للأسف العديد من الشباب الذي ينقلب على نفسه ويترك مستقبله وأهله ووطنه ،ويذهب إلى مجتمعات فتح(بضم الفاء وكسر التاء) بها "باب جهنم «،نتيجة غياب الديمقراطية وسيادة ثقافة الاستئصال للجهاد في أخيه المسلم ،كما نرى في سوريا العراق ،أفغانستان ،بدل أن يبقى في وطنه للمساهمة في بنائه وبناء نفسه وعائلته (التي قدمت تضحيات كبيرة من اجل نموه)،عبر التفاني في العمل ومواجهة المشاكل والتحديات التي تعتبر سنة الحياة (فلا حياة بدون تحديات وصعوبات)
وصفوة القول = نقول آن الأوان لاحتضان تصورات الحركة الأمازيغية بدل التهجم عليها ،فهذه الأخيرة لها فضل كبير على المجتمع المغربي والمغاربي، عبر القيمة الكبرى التي إضافتها والتي تترجمها عدة مظاهر أهمها دعوتها إلى تجاوز التصور التقليدي للوحدة والأخذ بالتصور الديمقراطي القائم على الثورات العلمية(الوحدة في التنوع)،الذي إذا ما تم استيعابه وتطبيقه سيساهم في تجنب المآسي،لان الذي لا يؤمن بالاختلاف والتنوع لن يخلق الوحدة حتى على المستوى الضيق أي الأسرة وبالأحرى على مستوى المجتمع أوالمجتمعات. ودعوتها أيضا إلى إعادة الاعتبار للغات الأم أساس النهضة، لأنها تسمح بإشراك الطبقات العريضة (الشعبية) من المجتمع في التنمية كما أنها حركة تدعو إلى التشبث بالأرض أي بالوطن للنهوض به والتفاني في خدمته.