الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الرحمن السين: مجرد رأي في المشاركة في الانتخابات الجماعية المقبلة

عبد الرحمن السين: مجرد رأي في المشاركة في الانتخابات الجماعية المقبلة

مع كل استحقاق يبدأ الناس في طرح أسئلة من مثيل التصويت ام لا و التصويت لمن و ربما جدوى التصويت من الأصل. والنتيجة تنعكس على نسبة المشاركة التي يرى فيها البعض أزمة نظام و يرى فيها الآخر عقابا للأحزاب السياسية بينما يرى فيها نخبة من الناس أزمة مجتمع لم تتمكن منه بعد ثقافة المواطنة و حقوق الإنسان و الديموقراطية.

بعديا عن قراءة النتائج، لنحلل المداخل أولا، هناك قضايا لابد من الانطلاق منها لتوضيح الخط المناسب في ذلك كله"

1- الأحزاب تنظيمات اجتماعية و سياسية إفراز لمجتمع و انعكاس لدرجة وعيه و قابليته للإصلاح و التغيير او للفساد و الاستيلاب ولا يمكن لأحد أن يدعي الطهرانية مهما ظهر من سلوكيات انتهازية و فاسدة في هاته الأحزاب ومن هنا لابد من تجنب خطاب عدمي له انعكاسات سلبية، بل بالعكس يجب البحث عن مناطق ضوء في الأحزاب و ربما الأشخاص لاختيار الأحسن و الأقل سوءا....التعايش مع الأحزاب في الدورة الاجتماعية و السياسية دائم و العلاقة مع مسؤولي الجماعات الترابية قائمة و لا مجال من لعن الواقع لأن المستفيد من ذلك هو بنية فاسدة مخترقة بالمال و التحكم و السلبية.

2- النظام السياسي واقع ظاهر و محاولة تحميل الأحزاب السياسية المسؤولية كونها لا قوة ولا سلطة لها و لا كرامة و لا عزة أمام جبروت السلطة مسالة في غاية الخطورة لان تغول السلطة ليست مسألة سرمدية لا تتغير و إنما يحتاج التغيير في اتجاه التوازن و الاعتدال إلى سنوات من التضحية. هل الوضع الحالي سوي؟ أم أن قوة الأحزاب في مواجهة السلطة لصالح المشروع الديموقراطي؟ لا تنسوا أن حركة المجتمع و احتجاجاته سجلت نقاط مهمة في مرمى الاستبداد و يجب عدم التوقف حتى دخول نادي الديموقراطيات و لا يمكن ذلك إذا استمر احتقار الأحزاب ووقوفها على مائدة السلطة في كل شيء و في ابسط شيء. يمكن للمجتمع ان يقوي الاحزاب و يعيد لها بريقها خاصة الممانعة منها إذا وعي هاته المسألة رغم أن المغامرة غير مضمونة خاصة بالنسبة لأحزاب مخترقة و متواطئة لتسكين المجتمع و تدجينه و لا تتمكن من اتخاذ قرار يحرك كأسا زجاجية في مائدة طعام.

الذين يطالبون بمقاطعة الانتخابات سرا أو علانية هم ثلاث فئات:

فئة تعارض النظام السياسي و اللعبة القائمة و ترى في فشل الانتخابات بداية أزمة يجب تدبيرها لتحسين مواقعها في مواجهة هذا النظام. فلدى هاته الفئة منطق خاص و بدائل ممكنة واقعية ام لا ؟ فاحترام هاته الفئة في منطقيتها و ليس في صحة موقفها. لكن هاته الفئة عليها أيضا أن ترى الأمور بمنطق التاريخ الذي لم يعد يتقبل المنعطفات و القطائع و التغييرات الجدرية و العنيفة لان النتائج تصير خريفا مع تغول الأنظمة و تحالفاته العضوية مع القوى الإقليمية و الدولية. الإبقاء على الممانعة ضروري لعدم سقوط المجتمع لكن الأسلوب العنيف أصبح مغامرة تأتي على الأخضر و اليابس. فئة تمارس المقاطعة السلبية و لا ترى في الانتخابات أي انعكاس ايجابي على حياتها و لا ترى في أي حزب أو شخص بصيص أمل و النتيجة هو الانسحاب و ترك دار لقمان على حالها. تنسى هاته الفئة أن المتحكمون في المجتمع و في ثرواته و في مصيره يطمئنون لهذا المنطق حتى لو افقدهم بعض النقاط...فمجتمع سلبي يترك الساحة و لا يخربط معادلاتها و نسبة المشاركة القوية يمكن أن تخربط المعادلة وتقلب الحسابات، مجتمع مرغوب فيه من طرف سلطة احتكرت كل شيء و تسهر على توزيع ما يراد و يسمح بتوزيعه.

فئة تقاطع وتعي أنها مارست نوعا من الأنانية و غير متحمسة لا للبحث عن الأنسب و لا تكثر للمتمايزات بين الأحزاب و الأشخاص . فبالنسبة لها "كاع ولاد عبد الواحد واحد". هاته الفئة من الطبقات المتعلمة التي كسبت وعيا لا بأس به بموازين القوى و ببنية السلطة لكنها لا تريد وجع الرأس لأن هذا الوعي سيجرها إلى الانخراط الذي يكلف الوقت و المال و ربما النفس في منافسة انتخابية قد يستعمل فيه العنف و غيره من الوسائل القذرة.

وبالنسبة للفئات التي تشارك في الانتخابات و تنشيط دورتها إما ملتزمة نوعا ما مع حزب معين بمنطق قبلي او عائلي او طبقي أو إيديولوجي او اجتماعي عام أو ترى في التصويت واجبا أخلاقيا أو ترى في الانتخابات حركية اجتماعية تململ أوضاعها الشخصية أو العائلية او الاجتماعية. وتجد هاته الفئات صعوبة كبيرة في إقناع هاته الفئات المقاطعة و التي تتسع قاعدتها يوما بعد يوم.

في المقابل لا حظوا أن الدولة بأجهزتها الإيديولوجية و القمعية لا تطلب من المجتمع المشاركة القوية كما تفعل مع و فعلت مع الدستور لان الرهان ليس هو الرهان و لأن استمالة الناس لمشاركة قوية تخربط الحسابات و التوقعات و لأن التصريح بنسبة مشاركة معينة ومقبولة للترويج الخارجي غير قابل للطعن لأن الكل مسكون بتدبير العلاقة مع هاته السلطة و لا يمكن أن يدخل لبيت العصيان.

أنا شخصيا أميل إلى المشاركة في الانتخابات و أضع مسافة واعية مع اتجاهين: الأول الذي يراهن على الغموض و المجهول في علاقته بالمجتمع و يدبر علاقاته مع السلطة و النظام بطريقة لا تسمح للمواطن من فهم الذي يقع. الاتجاه الثاني الذي يوهم نفسه بأن الأحزاب و الأشخاص شر مطلق و لا يمكن إحداث ثقوب و لو صغيرة في جدار التحكم و السلطوية و التخلف. ربما يحتاج الأمر إلى الانخراط في عملية وعي و حركية من جانب الفئات المتوسطة و الواعية للتأثير المباشر في العملية و تغليب الأحسن و الأنسب.

أضعف الإيمان أن نتجنب خطابا عدميا تيئيسيا و إلا مدونا من فضلكم ببدائل أخرى لإصلاح هذا الوضع الذي ينبئ بالردة في كل وقت فشهية المستبدين و المتحكمين داخل السلطة و داخل بعض الأحزاب و بين رجال الاعمال تنتظر هاته الفرصة لسد قوس الإصلاح على تواضعه.