الأربعاء 27 نوفمبر 2024
فن وثقافة

الشاعر المصري أحمد الشهاوي: عن المغرب الآن وبعد الآن

الشاعر المصري أحمد الشهاوي: عن المغرب الآن وبعد الآن

كعادته، في الكتابة كما في الحياة، لا يخفي الشاعر المصري أحمد الشهاوي حبه لإنسان أو مكان.. ففي كتاباته الشعرية والنثرية، لا يمكن للقارئ إلا أن يلحظ كم غزير هذا الحب الذي يعلنه هذا الشاعر للأمكنة وللناس الذين عرفهم وعاشرهم.. وها هو، وبدون مناسبة، لأن إعلان الحب لا يحتاج للمناسبات، ها هو يعلن جهارا حبه للمغرب وللمغاربة، في تدوينة شاعرية على صفحته الفيسبوكية، نعيد نشرها هنا في "أنفاس بريس":

"في العالم القديم، كان الناس يعتقدون أنَّ الشمسَ تشرقُ من اليابان، وتغرُبُ في المغرب.

لكنَّني كنتُ أقول: لماذا يخطئ هؤلاء الرؤيةَ، ألا ينظرونَ إلى الشَّمس التي لا تأفلُ أبدا، وأنا من طبعي كإبراهيم لا أحبُّ الآفلينَ، فإنْ نامت الشَّمسُ في مكانٍ، فهي صاحيةٌ في آخر.

الشَّمسُ في مذهبي تنامُ على كفِّ المغرب وتشرقُ منها، ولا تغربُ أبدا، فهذا ليس بلد غروبٍ.. هو بلدُ شروقٍ وإشراقٍ، بلدٌ يفطرُ على الكرم، ويتغدَّى على المعرفة، وينامُ على الحبِّ والوصْلِ.

بلدُ حضاراتٍ متعاقبةٍ، ولغاتٍ شتَّى، وأمشاجٍ من أقوامٍ، هو حاضنٌ للغُرباء، وبابٌ للمطرودين من رحمةِ الدينِ والسياسةِ، إذْ منذُ القرنِ الأول للميلادِ، وعلى أرضهِ أقيمت ممالكُ، وسطعتْ حضاراتٌ، وإنْ كانت دالتْ، فقد ظلتْ عائشةً في قلوبِ وأرواحِ المغاربة.

المغربُ، بلدٌ أحبهُ كثيرًا، لي فيه إخوةٌ وأصدقاءُ كبارٌ في الشِّعرِ والروايةِ والفلسفةِ والنقدِ والتصوفِ والموسيقى والفنِ التشكيليِّ والمسرحِ، بل شرَّفني العشراتُ من كبارِ مبدعيه ونقَّاده بنقدِ وقراءةِ تجربتي الشعريَّة، ولن أقولَ إنَّني مدينٌ لهم بشيءٍ، إذْ عندما أمشِي وحيدًا أو برفقةِ أصدقاء في أحد شوارعِ أية مدينةٍ مغربيَّةٍ، أشعرُ أنَّ هذه الأرضَ لي، وأنا منها، لي فيها إرثٌ وحرْفٌ ونشيدٌ ضائعٌ غريبٌ منسيٌّ عليَّ استرجاعه، إذ تمنحُني وجودًا، وحميميَّةً، وقديمًا قيل: المكانُ بأهله، وأهل المغرب متحضرون كرماءُ في كلِّ شيءٍ، وأنت كلَّما سرتَ رأيتَ طبقات الحضارة باديةً تتساقطُ بردًا وسلامًا على رأس رُوحكَ كمطرٍ قديمٍ آتٍ من سديمٍ يعرفُكَ، أنتَ فيه دائمًا.

قد يكونُ المغربُ هو البلدُ العربيُّ الوحيدُ، الذي يفتحُ أبوابه دونَ أن يطلبَ منك الإذنَ أو الطرْقَ.

هذا بلدٌ كلما سافرتُ فيه بشَّرني بالجنَّةِ، إذْ رُوحي لا تزال تسكنُ ورزازات ومراكش وطنجة وأصيلة والرباط وزاكورة والدار البيضاء والمحمديَّة وفاس.

أنا مدينٌ لابن بطوطة المغربي، وأقطابِ التصوف، الذين أتوا إلى مشرقنا من ديار المغرب، ومنذ كنتُ أدرسُ المغربَ في التاريخ والجغرافية بالمرحلتين الإعدادية والثانوية، منيتُ نفسي أن تكونَ المغربُ وجهتي عندما أكبرُ مع دولٍ أخرى أحببتها منذ صغري مثل تركيا وإيران وإسبانيا "الأندلس"، وبلدان آسيا الوسطى، إذ كنتُ وما زلتُ مهجوسًا بـ "سبتة" و"مليلية" المدينتين اللتين يحتلهما الاستعمارُ الإسبانيُّ إلى يومنا هذا.

لا توجدُ مناسبةٌ لأكتبَ عن بلدٍ عريقٍ يحلُّ فيَّ، إذ كتبتُ كثيرًا عن مغربي الذي أحبُّ، ولكن من فرُوضِ القولِ أن أقرِّرَ أنَّ الجُهلاء وحدهم هم من يهجُون الشُّعوبَ، ووحدهم أيضا يسبُّونَ.. إذْ الجاهلُ عادةً لا يدركُ شلالَ النورِ المندفقِ من بحرِ المعرفةِ، فإذا ما صُمَّت آذان عينيه، قال: إن العتمة تغلبُ المكانَ...