كم كنت على حق يا جدتي وأنت تغيرين ساخرة قناة وهابية بأخرى جميلة للتخلص من الكآبة والملل، كيف لم أنتبه يومها لحكمتك وملاحظتك هاته إلى أن أصبحنا على ما عليه اليوم في الشوارع، في المتاجر، في القنوات الفضائية، في المساجد، في الحافلات، في سيارات الأجرة، الكل ينصت راغبا أو مرغما الى الدعاء على هؤلاء الكفار حتى وأنت ممدد في البحر تعرض جسدك العاري للشمس تحاول أن تستمع في هدوء الى موسيقاك المفضلة،قد تمر أمامك عربة رضيع قديمة، عليها مئات الأقراص المقرصنة، يدفعها جاهدا شاب عليه يرتدي بدلة أفغانية رسمية، بالكاد نبتت لحيته، ليسمعك بالقوة وابلا من هذه الأدعية يختلط فيها صوت الداعي مع حشرجة الراديو المتهالك الذي يصدره "اللهم شتت شملهم، اللهم يتم أطفالهم ورمل نساءهم، اللهم جمد الدم في عروقهم.. اللهم .. اللهم ..." بكاء وعويل وصراخ وكأن الله لا يسمع منذ مدة طويلة، منذ دخلت إلى بيوتنا موضة الدعاء الوهابية هاته عبر قنوات الفضاء ونحن نسمع ونقول آمين حتى ظننا أن آمين هاته جزء لا يتجزأ من الإيمان ومن دين السماحة الذي نعتنقه.. نقول آمين دون أن نعرف حتى هوية هؤلاء الكفار تحديدا وأين يقيمون فنحن بالتأكيد لا نجرؤ على الإشارة إليهم بجنسيتهم خوفا من حدوث ما لا يحمد عقباه نقولها دون أن نتريث قليلا كما فعلت جدتي التي راجعت موقفها وعقلنت أفكارها المسبقة عنهم باكرا قبل الفيزازي و باقي أشباه السلفيين وأنصاف الإسلاميين وبسنين طويلة.. كل ذلك والله يأبى أن يستجيب فنحن على ما يبدو فاشلون حتى في دعاءنا إذ في كل مرة ندعو عليهم بالشتات إلا و ازدادت لَمَتهم تماسكا وشوكتهم قوة، فيما ازددنا نحن تفرقا وانقساما من العراق إلى سوريا إلى ليبيا إلى اليمن، من الإسلاميين الى العلمانيين ومن التراثيين إلى الحداثيين وفي كل مرة ندعو عليهم بالموت إلا و يأبى الأخير إلا أن يقيم طويلا على أراضينا ندعو على أطفالهم باليتم فلا يموت سوى أطفالنا قتلى بالمئات في الحروب، غرقى في الشواطئ، و ضحايا في حوادث السير.. ندعو على نسائهم بالترمل فلا تموت إلا نساؤنا وهن ينتظرن سيارات الإسعاف ويتقطعن من الألم لتلدن بل أكثر من ذلك ندعو عليهم بسذاجة أن يتجمد الدم في عروقهم والحال أن المناخ يتدفأ وحرارة كوكب الأرض في ارتفاع، نستمع للدعاء عليهم وفي نفس الوقت نحارب الاٍرهاب مع أن مثل هذا الدعاء هو في حد ذاته بوق الإرهاب وأدبه وشعره نقول آمين، وفي نفس الوقت نستشهد بفخر بأنه لا إكراه في الدين وبأنه من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وبأنه لكم دينكم ولي دين و أن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وقف على رجليه يوما ليترحم على جنازة يهودي كانت مارة من أمامه، فنحن اليوم نقول آمين وفي اليوم الموالي نسافر على طائراتهم دون خجل لأداء عمرة رمضان أو الحج أو ربما نسافر إليهم لأجل العلاج من أمراضنا الكثيرة .