Sunday 28 September 2025
مجتمع

مصطفى الرميد: إصلاح المنظومة الصحية لن يتحقق بالترقيع بل برؤية شاملة وحكامة فعلية

مصطفى الرميد: إصلاح المنظومة الصحية لن يتحقق بالترقيع بل برؤية شاملة وحكامة فعلية مصطفى الرميد، وزير العدل الأسبق
 اقترح مصطفى الرميد، وزير العدل الأسبق (العدالة والتنمية)، لتصحيح اختلالات وزارة الصحة، خارطة طريق إصلاحية شاملة تقوم على تحديد الأهداف بدقة، وتعبئة الإمكانات، مع اعتماد آليات للتتبع والمحاسبة والتصنيف وفق معايير واضحة، على غرار تجربة سابقة بوزارة العدل.
مؤكدا على ضرورة دعم الأطر الطبية وتحفيزها، وربط المسؤولية بالمحاسبة، مبرزًا أن المغرب في حاجة إلى قيادات ذات إرادة حقيقية ورؤى إصلاحية متينة.

 
يبدو واضحًا أن المنظومة الصحية تعاني من اختلالات جسيمة، بالرغم من الجهود المبذولة، مما جعلها في مواجهة احتجاجات عارمة. إن هذه الاحتجاجات الشعبية عبر ربوع المملكة، ضد الخصاصات المتعددة، وضعف الحكامة، وسوء التسيير، خاصة في المستشفيات العمومية، تستدعي من المسؤولين رسم خارطة طريق لإصلاحها بشكل شامل وعميق، بعيدًا عن الإصلاحات السطحية والمحدودة، والتي لا تعدو أن تكون (بريكولاج) لا أكثر. إن الأمر يحتاج إلى وضع أهداف محددة، ورصد الإمكانات اللازمة لتحقيقها، وإنجاز تعاقدات بين الإدارة المركزية والجهوية مع جميع الوحدات الاستشفائية عبر ربوع المملكة لتحقيق تلك الأهداف، وإنجاز تتبع مستمر، ومحاسبة دائمة.
وفي هذا السياق، أستحضر ما كنا قد اعتمدناه في وزارة العدل والحريات بين سنتي 2012 و2016، حيث قمنا بوضع معايير دقيقة لتصنيف المحاكم إلى محاكم في اللائحة الخضراء، وأخرى في اللائحة الصفراء، وأخرى في اللائحة الرمادية، والأخيرة في اللائحة السوداء، وقمنا بناءً على ذلك بالتدخلات الضرورية. إن الأمر هنا يتطلب تمكين الوحدات الاستشفائية من كل الوسائل اللازمة لإنتاج الخدمات الصحية بالجودة المطلوبة، بدءًا من البنايات من حيث صلاحيتها لتقديم الخدمات الصحية الجيدة (جيدة، أو متوسطة الجودة، أو غير لائقة)، وهو ما يستتبعه القيام بإصلاحها لتصبح صالحة لأداء الخدمة الصحية على الوجه الأحسن، وذلك وفق معايير دقيقة. 
ثم النظر في الأطر الطبية والشبه الطبية من حيث العدد والتأهيل، لتمكين الوحدة الصحية من العدد الملائم تبعًا للمعدل الوطني. ثم تحديد الحاجيات اللوجيستية والدوائية وفق معايير مضبوطة ودقيقة. وفي مقابل ذلك، لا بد من دفتر تحملات (ميثاق) تُقدِّم بموجبه الوحدات الصحية المعنية خدماتها وفق المعايير المعترف بها. وبناءً على ذلك، يتم تحديد مستوى أداء الخدمات المتعددة وتصنيف المؤسسات الاستشفائية في اللوائح اللونية المذكورة. إن هذه التصنيفات ليست هدفًا في حد ذاتها، بل الهدف هو تمكين كافة المتدخلين من معرفة مستوى أداء كل مستشفى بكافة مكوناته، ودراسة أسباب تخلف أي مستشفى عن الرقي إلى مستوى اللون الأخضر. وقد يتعلق الأمر بمحدودية الموارد البشرية أو الوسائل اللوجيستية، وهذه مسؤولية الإدارة المركزية والجهوية، أو يتعلق بسوء الحكامة والتدبير، وهو ما يتطلب تجديد المسؤولين عن تدبير تلك الوحدات. إن التتبع اليومي للوحة القيادة، وإنجاز تواصلات مستمرة للوقوف على الخصاصات والإشكالات، لا يغني عن الزيارات الميدانية الممنهجة، فضلًا عن الزيارات التفقدية الفجائية، لوضع حد للتسيب الذي يشتكي منه عموم المواطنين والمواطنات. 
وفي هذا السياق، من الضروري التأكيد على وجوب تمكين الأطر الطبية والشبه الطبية العاملة بالوحدات الاستشفائية العمومية من كافة التحفيزات المادية والمعنوية اللازمة، التي تجعلهم يخصصون أوقاتهم وجهودهم للوفاء بالتزاماتهم المهنية العمومية، مع المحاسبة المسؤولة عن كل إخلال بهذه الالتزامات بالاشتغال في القطاع الخاص، كما هو واقع اليوم في كثير من الأحيان. لقد قيل قديمًا إن الرجل هو الأسلوب، ولذلك على رئيس الحكومة (أي رئيس) أن يتعاقد مع الوزير المعني (أي وزير) على الأهداف الإصلاحية الضرورية، ويجري تتبعًا دائمًا لنتائج عمله. كما على الوزير أن يعمل ليلًا ونهارًا على تحقيق التزاماته، وألا ينتظر اشتعال الحرائق هنا أو هناك ليبدأ في رحلات "دانكوشيطية" للقيام بعملية الإطفاء. مغرب اليوم والغد يستحق رجالًا ونساء ذوي رؤى إصلاحية، وعزائم فولاذية، يحسبون الساعات والدقائق، لا أشخاصًا تائهين، لا فرق عندهم بين اليوم والأمس، ولا بين الغد واليوم، المهم عندهم أن يكونوا مسؤولين من درجة وزراء. وكفى.